يمكن القول إنّه «سبّع الكارات» بحسب التعبير اللبناني الدارج. حين احتفل أخيراً بميلاده السادس والستين، كان نقولا دانيال يطوي خلفه مسيرة خمسين عاماً من العمل على خشبة المسرح، مخرجاً ومؤلّفاً ومستشاراً فنياً، إضافةً إلى أدوار في السينما والتلفزيون، والتعليم في الجامعة اللبنانية... زد على ذلك همّه الإنمائي، وترشحه لعضوية مجلس بلدية قريته العام الماضي. «نحن أولاد مغدوشة مثل السمك في الماء، لا يمكننا العيش خارجها».بالقرب من كنيسة قريته الجنوبية، ولد المسرحي اللبناني عام 1945. شبّ بين كرومها الواقعة على تخوم مدينة صيدا الجنوبية. بعد نيل شهادة البكالوريا في «المعهد العاملي»، انتقل إلى «دار المعلمين» في العاصمة عام 1960. «كانت بيروت حينها «شغلة عظيمة». كانت مدينة حقيقية، مدينة تنوّع. وفي ساحة البرج، تعرفت إلى المسارح، وانتقلت إلى الاحتراف».
تنقّل الشاب الطموح بين «دار المعلمين» و«كلية الآداب»، حيث فتح «معهد الفنون الجميلة» أبوابه عام 1965. نمط حياة متعب، لكنّه أفضى إلى نيله منحة للتخصص في إيطاليا. «في هذه المرحلة، تركت كل شيء واخترت المسرح. كنت قد اهتديت إلى الخشبة من خلال «نادي التحرر» في مغدوشة». مطلع الستينيات، شارك في مهرجانات «المسرح العائم» في صيدا، راقصاً متدرجاً. «كنا نكتب ونرقص ونمثّل ونخرج. منذ تلك الأيام فهمت أنّ المسرح الذي يصنع من أجل الناس، أهمّ من كل شيء آخر». بعد مسرحيات غير احترافية، جاءت إطلالته الأولى عام 1968 عبر «حلقة المسرح اللبناني» مع أنطوان ملتقى ورفيقة دربه لطيفة. أدّى دوراً في اقتباسهما لنصّ ألبير كامو الشهير «كاليغولا»، ثمّ مثّل مع روجيه عساف ونضال الأشقر في «محترف بيروت للمسرح»، وكان له دور في مسرحيّة «مجدلون» الشهيرة عام 1969... ما زال يتذكّر كيف «جاء الدرك وأوقفوا العمل».
لدى عودة يعقوب الشدراوي من الاتحاد السوفياتي، وقع اختياره على نقولا دانيال لأداء دور في باكورته المسرحية «أعرب ما يلي» إلى جانب أنطوان كرباج، ورضا خوري، وجان شمعون... «كان العمل الأول من نوعه الذي يعتمد على التوليفة والمونتاج. أدّينا فيه نصوصاً لمحمود درويش، وسعد الله ونوس، وأنسي الحاج، تفصلها روابط إيمائية».
بعد سنوات من التخصص في مدرسة Piccolo teatro التي أسّسها المعلّم الإيطالي الراحل جورجيو شتريلر، عاد من ميلانو حاملاً شهادةً في التنشيط المسرحي عام 1973. دفعته «حرب أكتوبر» إلى ترك إيطاليا بكلّ ما تتيحه من مجالات، والعودة إلى الديار. في سنواته الإيطالية، وجد الشاب اللبناني نفسه في خضمّ الفكر الاشتراكي، ورأى لينين من خلال عيون بريخت. درس المسرح «البريختي»، وتعرف إلى غرامشي، وربطته صداقة بداريو فو صاحب «نوبل» الواقف على يسار اليسار. كانت تلك مرحلة خصبة فكرياً وسياسياً وفنياً، شارك أثناءها في عمل مسرحي مع أحد كبار الكوميديين الإيطاليين فرانكو بارنتي وهي مسرحية «البانيو» (Il Bagno) عن نص «الحمّام» للشاعر الروسي فلاديمير ماياكوفسكي.
حين عاد إلى بيروت، استأنف وظيفته في التعليم الجامعي، فدرّس الإلقاء والتعبير الجسماني، والتمارين التمثيلية، وتولّى رئاسة قسم المسرح في «معهد الفنون الجميلة» مراراً. خلال سني عمله المسرحي الطويلة، عرّج نقولا دانيال على أكثر من تجربة. شارك في صوغ مسرحية «بالعبر والإبر» لـ«مسرح الحكواتي» بعد عام على إطلاق الفرقة حول روجيه عسّاف ورفاقه (1979).
وبعد فترة انقطاع، عاد عام 1983 ليشارك يعقوب الشدراوي في بلورة عمل مقتبس عن مسرحية يوسف إدريس «الفرافير» التي قدّمت في لبنان بعنوان «الطرطور». أُنجز العمل بنفَس شبيه بـ«الكوميديا ديلارتي»، «ذلك الفن القائم على الخفّة والبراعة والظرف والإيماء. إنّه نوع مسرحي متميّز يسعى إلى تعرية البؤس الروحي للبشر». أدّى يومها أحمد الزين دور الطرطور، ونقولا دانيال دور المعلم. «اثنان فقط، ندخل إلى المسرح ولا نخرج حتى انتهاء المسرحية. أعجبتني الفكرة وقلت إنّه يمكنني أن أضع شيئاً من خبرتي هنا. كانت المسرحية علامة فارقة في تاريخ المسرح اللبناني».
بعد «الطرطور» دخل معترك الإخراج، وأنجز باكورته «الشهيد ابن البلد» (1985)، وكان قد سبق أن قدمها مع رفيق نصر الله عبر أثير إذاعة «صوت لبنان العربي». «كسّرت المسرحية الدنيا على «مسرح الإسترال» في الحمراء. وأثناء عرضها في «مهرجان دمشق الدولي»، حطّمت الجماهير واجهات الزجاج، وحاولت الشرطة ردّ الناس المتدافعين، فسقط سبعة جرحى».
عام 1992، ترجم «لا تدفع الحساب» لداريو فو وعرضها مع مجموعة من تلامذته، منهم جوليا قصار وعبيدو باشا... في تلك الأثناء، كان منصور الرحباني قد أرسل في طلبه بعد تقديم «صيف 840» على خشبة «كازينو لبنان» أواخر الثمانينيات. أراد الرحباني عرض مسرحيته مرة ثانية، لكن أنطوان كرباج اعتذر عن عدم المشاركة. أرشد ريمون جبارة وفايق حميصي المعلم الراحل إلى نقولا دانيال. «التقيته في مكتبه، ووافقت على لعب دور اليوزباشي عساف. عرضناها على خشبة «البيكاديلّي» ثمّ في طرابلس وبيت الدين، وزحلة والشام، وبعدها قرطاج. بفضل هذه التجربة، توطدت علاقتي بمنصور، وصرت مستشاره لاحقاً». أثمر هذا التعاون مسرحية «الوصية» (1993) من إخراج دانيال، و«آخر أيام سقراط» (1998) التي تولّى خلالها مهمّات المستشار الفني. بعد تعاون استمرّ عقداً، ترك مخرجنا مسرح منصور الرحباني: «غادرت لأنني شعرت بأن التجربة يجب أن تتوقف».
بين دوره في «اغتصاب في الصفحة الأولى» للسينمائي الإيطالي ماركو بيللوكيو (1972) ومشاركته في فيلم «دخان بلا نار» لسمير حبشي (2008)، مثّل في ستة أفلام أخرى منها «طيف المدينة» لجان شمعون... الفنان المتعدّد المشاغل والأدوات، كانت له تجارب في الشعر أيضاً، أشهرها ما لحّنه مرسيل خليفة وغنّته أميمة الخليل في «خليني غنّيلك» التي صارت عنوان أسطوانة لها من ألحان خليفة (١٩٩٣). يمكننا القول إن نقولا دانيال فنّان متعدّد الآفاق، من جيل مخضرم انطلق في أواخر العصر الذهبي، وما زال يحمله في أعماقه حلماً ومشروعاً...



5 تواريخ

1945
الولادة في مغدوشة شرقي صيدا (جنوب لبنان)

1968
مثّل في مسرحية «كاليغولا» لأنطوان ملتقى عن نص ألبير كامو

1985
أخرج «الشهيد ابن البلد» من بطولة أحمد الزين وتأليف رفيق نصر الله

1993
أخرج مسرحية «الوصية» لمنصور الرحباني ومثّل فيها

2011
يراجع نصوصاً من تأليفه بغية تقديمها على المسرح قريباً