شهدت الأسابيع الأخيرة رحيل أكثر من شخصية موسيقية مرموقة، أبرزها عملاقان في التأليف الموسيقي الكلاسيكي المعاصر، هما: الأميركي إليوت كارتر (1908 – 2012) والشيوعي الألماني هانز فرنر هنزُه (1926 – 2012). الرجلان لا يعرفهما سوى المهتمين جداً بالموسيقى الكلاسيكية، لكن كلّنا يعرف دايف بروبك (الصورة) الذي رحل أول من أمس عن 92 عاماً، تاركاً عشرات التسجيلات والمؤلفات التي أنجز معظمها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. خطآن شائعان ارتبطا بهذا المؤلف وعازف البيانو العملاق: الأوّل في أوساط محبّي الجاز أو حتى الموسيقيين أحياناً، إذ يُنسب لبروبك تأليف إحدى أشهر «الستاندردز» على الإطلاق وهي Take Five. هذه المقطوعة التي لا تحتاج إلى تعريف، وردت في ألبوم شهير بعنوان Time Out 1959 بتوقيع الرباعي الذي يحمل اسم دايف بروبك. غير أن واضع لحنها الشهير هو بول دزموند، عازف الألتو ساكس الذي لازَم الفرقة المذكورة لسنوات. تأكيداً على أبوّته لها، عاد دزموند وكتب «تنويعاً» على هذه المقطوعة بعنوان Take Ten! أما الخطأ الثاني فهو أنّه أحد رموز الجاز المتوفين بسبب غياب بروبك نسبياً عن الأضواء منذ زمن (وخصوصاً على مستوى الإصدارات) بفعل تقدّمه في السن. إذاً، رحل يوم الأربعاء أبرز وجوه «الجاز الأبيض»، وعميد من عمداء الزمن الجميل للجاز. انضم دايف بروبك إلى قافلة رجال الجاز الذين سبقوه إلى الضفة الثانية من الوجود، وإلى المؤلفين الكلاسيكيين الذين تأثر بهم في الإسقاطات الكلاسيكية على الجاز أو حتى التأليف الكلاسيكي البحت. للرجل الأميركي العديد من الأعمال في أشكال كلاسيكية مختلفة، بقيت مغمورة عموماً، مقارنة بإرثه الجازيّ الذي لا يزال يشكّل لبنة أساسية في هذا المجال. وإذا قفزنا عن «تايك فايف»، فسنقع بالتأكيد على ثاني أشهر المقطوعات التي ارتبطت باسمه، لكن هذه المرّة بتوقيعه تأليفاً: Blue Rondo a la Turk. تحمل هذه المعزوفة مواصفاتها بعنوانها وتركيبتها الموسيقية. لها مسكنٌ في الجاز (Blue) وآخر في الكلاسيك (Rondo) وثالث في الشرق (Turk والإيقاع المركّب) وأخيرٌ في منزل موزار، وتحديداً الحركة الثالثة من تلك السوناتة الشهيرة للبيانو (التسمية فقط، فهي غير مبنية موسيقياً عليها كما يُعتقد خطأً). هنا تكمن المفارقة. فهذه التحية غير المباشرة لملك ملوك الموسيقى، كرّسها بروبك برحيله... فموزار رحل أيضاً في 5 كانون الأول (ديسمبر)!