عشّاق باب توما... رثاء إلكتروني
دمشق | انحسرت أحلام السوريين وتراجعت مساحة آمالهم بعدما تحوّلت ثورتهم السلمية حرباً ضروساً لا تبقي ولا تذر، وصارت النجاة من همجية العنف المتواصل أقصى ما يحلم به سكان عاصمة الأمويين. هكذا، أصبحت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي جدراناً يطمئنون من خلالها إلى بعضهم. وقد اشتعلت تلك الصفحات أخيراً بتعليقات خاصة عندما ضرب الإرهاب ذاكرة جماعية يعرفها السوريون جيداً. انفجرت سيارة مفخخة قبل أيام في ساحة باب توما، المكان التاريخي الذي يحمل رمزية كبيرة لدى كل من عرف دمشق، مقيماً كان أو زائراً أو سائحاً. مع ذلك، ما زالت الساحة الشهيرة تشرع أعمدة الباب الأثري في وجه المارة لتفتح «طلعة القشلة»، الطريق باتجاه الأزقة الضيقة للحي العريق. نعبر السوق مروراً بحمام «البكري» الأثري والبيوت العربية التي تحولت إلى مطاعم ومقاهٍ نحو كنيسة «حنانيا» أقدم كنائس العالم. هناك تجتمع الأمنيات عند طاولة الشموع التي يضيئها زوار الكنيسة، علّ الدخان الأسود ينقشع وتعود الشام إلى ما كانت عليه سابقاً. وعلى الرغم من أن هناك قلة امتعضت من الاهتمام المبالغ فيه الذي أولاه السوريون لباب توما عبر صفحاتهم، بدعوى أنّ الأماكن التي دمرت في منزلة واحدة، إلا أنّ الذاكرة المتقدة عن الحي الدمشقي جعلت ساحته وقوس بابه وذكرياته نجوماً خلال الأيام الماضية. احتلت صورة الساحة صفحات الفايسبوك وافتتح أحد المسرحيين الحديث بتعليق مكثف ومختصر نشره على الموقع الأزرق، يقول فيه: «من منا عشق امرأة في دمشق ولم يعبر معها ساحة باب توما؟»، ليرد عليه المصمم الفني فراس عدره: «من هناك اشتريت كاسيتات فيروز وقطفت الياسمين وتعلّمت كل شيء... العشق، التاريخ والصداقة. اليوم زارك الموت يا باب توما وأنت أقوى من كل شيء». فيما استعاد كثيرون محمد الماغوط وقصيدته «أغنية لباب توما»، وخصوصاً مطلعها الذي يقول «ليتني حصاة ملونة على الرصيف/ أو أغنية طويلة في الزقاق/ هناك في تجويف من الوحل الأملس/ ليتني وردة جورية في حديقة ما/ يقطفني شاعر كئيب في أواخر النهار/ أو حانة من الخشب الأحمر/ يرتادها المطر والغرباء». أما الطبيب والشاعر السوري إياد شاهين الذي كانت له وقفة مع المكان، فقد كتب على صفحته الشخصية على فايسبوك: «مليون باب لتوما ولا باب للباب إلا الرياح/ وصمت الحكايا/ وعتمة هذا الصباح». إذاً، شعور الخيبة والألم خيّم على السوريين، وهم يفقدون أحبتهم، وتتلطخ أماكن ذكرياتهم الجميلة بدماء الأبرياء.