بعد أقل من أسبوع على الاحتجاجات التي شهدتها العواصم العربية على خلفية فيلم «براءة المسلمين»، ها هي «شارلي إيبدو» تنشر في عددها أمس صوراً كاريكاتورية ساخرة بدعوى الدفاع عن حرية التعبير. لكن فكرة إقدام المجلة الفرنسية على نشر الرسوم تزامناً مع تصاعد الخطاب المعادي للغرب في بعض الدول العربية، جاءت مفاجئة. صحيح أنّها بهذا الموقف أرادت الدفاع عن حرية التعبير تحت سقف القانون الفرنسي، لكنّ بعض المراقبين اعتبروا أنّ المجلة ركبت «الموجة» فباعت في غضون ساعات 75 ألف نسخة، فيما رأى آخرون أن الخطوة غير ناضجة لا تخدم قضية الحريات بل تسعى فقط إلى استفزاز الأقلية المسلمة المهمّشة التي تُستخدم مع المهاجرين كورقة قبل كل استحقاق انتخابي في فرنسا. ونشرت «شارلي ايبدو» أمس رسوماً كاريكاتورية في صفحاتها الداخلية والصفحة الأولى والأخيرة. على الصفحة الأخيرة، نشرت رسوماً أظهرت الرسول عارياً، متفاعلاً مع الأحداث التي رافقت عرض «براءة المسلمين».

كما بدا في أحد الرسوم مستاءً من ردود الفعل الغاضبة التي تلت صدور الفيلم نفسه. ونجده في رسم آخر بصدد الاطلاع على قائمة المرشحين لجائزة الاوسكار لأفضل فيلم مسيء للاسلام. ودافع مدير تحرير الاسبوعية شارب (ستيفان شاربونييه ـ 1967)، وهو في الوقت نفسه موقّع الرسوم، عن خيار المجلة، قائلاً «لا أفرض على نفسي رقابة ذاتية. إذا امتنعنا اليوم عن تصوير الرسول، فسنمتنع بعده عن تصوير المسلمين ثم نتوقف عن رسم الكلاب والحيوانات». وتضمّنت الصفحة الأولى رسماً يظهر يهودياً أرثوذكسياً يقود كرسياً مدولباً يجلس عليه رجل مسلم مع عبارة «السخرية ممنوعة» في صورة تذكّرنا بملصق فيلم Intouchables. ومنذ صباح أمس، يتعذّر على المتصفّحين دخول موقع المجلة على الانترنت فيما لم يعرف ما إذا كان قد تعرّض للقرصنة أم أنّ ذلك سببه مشكلة تقنية.
وليست هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها «شارلي ايبدو» إلى تقنية الاستفزاز والصدمة في رسوماتها. بعد الأزمة المالية عام 2010 ورفع سعر الاسبوعية من 2 الى 2.5 يورو، راهنت على خيار الاثارة. نشرت في تشرين الثاني (نوفمبر) رسماً للرسول، مع تغيير اسم الصحيفة الى «شريعة ايبدو» في محاولة للرد على صعود التيار الاسلامي وحزب «النهضة» في تونس، ما أدى إلى مهاجمة جزء من مكاتبها في باريس. وقد وجدت «شارلي ايبدو» في الاستفزاز طريقاً لرفع أرقام مبيعاتها. هذا ما أقرّ به شارب نفسه حين صرّح أول من أمس بأنّ العدد الجديد من المجلة الذي يضمّ الرسوم «سيدفع بمن لا يعرف «شارلي ايبدو» الى التعرّف إليها».