«المفتش وحيد» يتباهى بنعمة الصوت. يشهد أثير الإذاعة اللبنانية على كلماته الأولى وعلى تميز صوته الذي حقق له شهرة واسعة، وكذلك على انطلاقته نحو الشاشة الصغيرة، فالفن السابع، مروراً بعالم «الكرتون» الذي أعاره صوته، فأثّر في جيل الثمانينيات. في الإذاعة اللبنانية، يعقد وحيد جلال حواراته الإعلامية «هذه الإذاعة بمثابة أمي، وحضني الدافئ». في يوم مولده الثاني بعد الستين، كان اللقاء معه في السادس من أيلول (سبتمبر) الحالي.
ولد عبد الواحد ابن المهندس عبد الفتاح زنتوت في محلة رأس بيروت عام 1940. «لم أولد وملعقة الذهب في فمي. حظ والدي في العمل كان قليلاً. لذلك، تنقل بين الدول العربية بحثاً عن مصدر رزق أفضل لعائلتنا المكونة من أربعة شبان ووالدتي». كانت والدة عبد الواحد الأقرب إلى أحلام الطفل الذي بات يمثّل لها قلقاً كلما وقف أمام المرآة ليتحدث أمامها ويقوم بحركات، ظنتها في البداية مسّاً من الجنون! بعدها، أدركت أن طفلها مولع بالفن السابع. كلما عاد من السينما، كان يلازم المرآة لساعات طويلة يروح خلالها يقلّد ما شاهده من أفلام.
في عام 1953، نال «المفتش وحيد» الشهادة الابتدائية من مدرسة «دار الحمراء»، لكن قبل ذلك، شارك في أعمال مسرحية في «مدرسة القنطاري»، حيث تلقى هدية كتابين مكافأةً على نجاحه في دور مسرحي. بعد سنوات، ستطلب العائلة من فتاها أن يبدأ البحث عن عمل ليساعد على إعالة الأسرة «اقترحوا عليّ أن أحصل على دبلوم في كلية اللاسلكي المدنية. دخلتها حيث تعلّمت شفرة مورس ونلت دبلوماً برتبة ضابط لاسلكي، لكنّ الشهادة لم تقدم أو تؤخّر في حياتي، إذ ألغي العمل بنظام شفرة المورس في الطيران والبواخر واستبدل بنظام حديث، وكان لا بد لي أن أعود إلى حلمي القديم... التمثيل».
توسطت والدة عبد الواحد لدى صديقتها، فأرسلته الأخيرة إلى مدير إذاعة «بي. بي. سي» البريطانية عام 1959 توفيق نمور. الأخير لم يأخذ ضيفه الشاب على مجمل الجدّ في البداية. صار يتهرب منه ويرهقه بحفظ الأدوار والقصائد، إلى أن قال له تلميذه «أنا لا أريد أن أمثل لكي أعيش، بل أن أعيش لأمثل». عندها، اقتنع الرجل بتلميذه، وراح يلقنه المسرحيات التاريخية والأشعار العربية ضمن قالب تمثيلي، ويضع فيه كل ما تعلمه واكتسبه من أستاذه جورج أبيض في القاهرة من فنون الإلقاء والتمثيل. بعد ستة أشهر من التدريب، سمح له بقول جملة واحدة عبر أثير الإذاعة كانت «في الباب رجل يا مولاي». بعد ذلك، قال له: «الآن يمكنك أن تذهب إلى إذاعة بلدك لأنّها أولى بك». في الإذاعة اللبنانية، التقى ثلاثي الإذاعة صبحي أبو لغد وعبد المجيد أبو لبن وغانم الدجاني: «خلال امتحان الدخول، سأل أبو لبن من منكم يستطيع أن يمثل شعراً، فحصدت أنا المرتبة الأولى، وخضعت من جديد لفترة تدريبية مرهقة إلى أن منحني المخرج شكيب خوري دور البطولة في حلقة إذاعية تبلغ مدتها ربع ساعة»، لكن ذلك لم يبدد اليأس الذي أصاب الشاب الطموح الذي أطلق على نفسه اسم «وحيد جلال» إلى أن التقى الفنان الراحل الياس رزق، الذي طلب إليه أن يتحمل «لأنّ أيامك آتية لا محالة. حتى اليوم، أعترف بالجميل لهذا الرجل الرائع».
بعد افتتاح تلفزيون في لبنان، راحت إدارته تبحث عن كوادر من العاملين في الإذاعة اللبنانية. وكانت بداية وحيد جلال عام 1962 كمقدم برامج على الشاشة الصغيرة، منها برنامج ألعاب «حظك نصيبك» الذي «سجّل نجاحاً منقطع النظير، وحقق لي شهرة جماهيرية واسعة. كانت إدارة التلفزيون تضطر كل سبت في موعد بثّه مباشرة على الهواء إلى الاستعانة بالفرقة 16 للحدّ من تدافع الناس على الاستديو. وفرض مدير البرامج في التلفزيون الراحل رشاد البيبي رسم دخول على المشاركين». بعدها، اختاره حكمت سابا لبطولة مسلسله «مذكرات بوليس» (1963) ثم «قصص الليل». أما حظ صديقنا الأوفر، فكان مع مسلسل «حكمت المحكمة» الذي ظلّ يعرض على الهواء مباشرة خمس سنوات متتالية (1963ــــــ 1968). هذا المسلسل الذي أخرجه الياس متى وكتب حلقاته الإعلامي فاضل سعيد عقل أدّى بطولته وحيد جلال مجسداً المحامي الذي يكلف في القضايا المعقدة. يقول: «مثّل المسلسل منعطفاً أساسياً في حياتي الفنية، إذ دفع بي إلى قمة الشهرة. ولشدة اقتناع الناس بدور المحامي، كانوا يتّصلون بي عارضين توكيلي في قضايا قانونية تخصهم. حمّس البرنامج الشباب على الانتساب إلى كلية الحقوق. حتى إنّ إحدى شركات المحاماة عرضت عليّ المداومة في مكاتبها يومياً لمدة ساعتين لقاء مبلغ كبير من أجل أن يزداد عدد زبائنها».
في هذه الأثناء، أطل وحيد جلال في أكثر من فيلم لبناني ومصري، فشارك المخرج محمد سلمان في فيلم «حكاية غرام» (1962) إلى جانب محرم فؤاد ومها صبري؛ وحكمت سابا في فيلم «قصص الليل» (1964)، ومع كاري كارابتيان في فيلم «يا ليل». أما الفيلم الذي حقق له نجاحاً جماهيرياً كبيراً، فكان «موّال» (1966) إلى جانب الشحرورة صباح «عندما عرض الفيلم في سينما «دنيا» في ساحة البرج، عطلت حشود الناس عمل الترامواي». وفي سنة 1968، شارك في فيلم «سارق الملايين» لنيازي مصطفى، إلى جانب فريد شوقي ونبيلة عبيد وعادل أدهم. وفي عام 1971، بدأ عرض مسلسل «من يوم ليوم» للأخوين رحباني، وأدى وحيد جلال فيه دور اللص عاطف. في عام 1973، قرّر الثنائي فاضل سعيد عقل والياس متى تكرار تجربة المسلسلات البوليسية، فاختارا بطل مسلسل «رماد وملح» (مع الفنانة نضال الأشقر) لبطولة مسلسل «المفتش وحيد» الذي عرض في 36 حلقة. ولشدة تعلق الناس بهذا المسلسل، ازداد التحاق الشباب بمعهد الشرطة القضائية. إحدى التجارب السيئة التي يذكرها وحيد جلال مشاركته في فيلم «موت أميرة» (1980) الذي يتناول قضية إعدام الأميرة السعودية مشاعل بنت فهد بنت محمد آل سعود، وعشيقها خالد مهلهل ابن السفير السعودي في لبنان. «أنا وقعت في شرّ مقلب المخرج أنطوني توماس، الذي لم يزودني النص الكامل للعمل، بل أعطاني دور صحافي يحكي عن مأساة بلده أثناء الحرب، لكن عندما جمع الفيلم، اكتشفت الخديعة. هذا ما منحني لاحقاً عفواً ملكياً خاصاً بعدما حظروني لفترة، كانت تجربة قاسية، لكنّها علمتني درساً لم أنسه طوال عمري».
ومقابل تجاربه المسرحية القليلة، خاض وحيد جلال مسيرة طويلة مع دبلجة الأعمال الكرتونية. بطل «مغامرات زينة ونحّول» ترك أثراً عميقاً في الطفل اللبناني والعربي من جيل الثمانينيات، مع إعارة صوته لـ «مغامرات سندباد»، و«مغامرات ساسوكي»، «جزيرة الكنز»، «ساندي بل»، «ميمونة ومسعود».... وها هو بعد هذه المسيرة الطويلة يعود إلى مكانه الدافئ في الإذاعة اللبنانية. لا يتوقع بطل مسلسل «الأبله» (1973) «حرباً أهلية لبنانية ثانية. لقد ذقنا اللوعة أربعين عاماً، ولن نعود إليها». في الفن، لم يقرّر الاعتزال «لكنني لن أنجرف نحو الأعمال الهابطة، لذلك رفضت أخيراً ثمانية أعمال تلفزيونية؛ لكنّ صوتي سيظل يصدح بالأعمال الراقية. هذا الصوت الذي ساعدني على تجسيد أدوار مميزة في مختلف المجالات الفنية».




5 تواريخ

1940
الولادة في رأس بيروت باسم عبد الواحد زنتوت

1962
بدأ عمله في تلفزيون لبنان. وفي عام 1963، لعب بطولة مسلسل «حكمت المحكمة» الذي عرض لخمس سنوات متتالية

1973
تميز بدور «المفتش وحيد» لفاضل سعيد عقل والياس متى بعد سنتين من بروزه في مسلسل «من يوم ليوم» للأخوين رحباني

1980
فرض عليه حظر سعودي بعد مشاركته في فيلم «موت أميرة» ثم نال عفواً ملكياً خاصاً بعد سنتين

2012
يقدم برنامجي «أسامينا» و«شخصيات من العالم» في الإذاعة اللبنانية