بعدما نفّذ مجلس الشورى المصري ذو الأغلبية الاسلامية مخططه، وانتهى من تعيين رؤساء تحرير الصحف القومية، كان مقال الأديب والروائي يوسف القعيد في جريدة الأخبار «المصرية» أول المقالات التي طالها المنع، ربما لحدته في النقد، وربما لجرأته في الدفاع عن صاحبة الجلالة، وبالتأكيد بسبب موقفه الواضح من جماعة الإخوان المسلمين. «دروس التاريخ كثيرة لمن يريد أن يعتبر. فمن جاءت بهم الحرية، ضاقوا ذرعاً بعد شهر واحد من ممارستها. ومَن جاءت بهم الديموقراطية، وقفوا ليقولوا لنا إنّهم يؤمنون بديموقراطية لمرة واحدة فقط.
بعد ذلك، تصبح الديموقراطية حراماً» تلك كانت خاتمة مقاله «لا سمع ولا طاعة» الذي مُنع في «الأخبار» وحكى فيه عن تجربته الخاصة في قيام عدد من أنصار رئيس الجمهورية الإخواني محمد مرسي منذ أسابيع بمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي التي تبث منها الفضائيات المصرية. ثارت الدنيا على منع مقال القعيد، إلا أنّ سياسة المنع استمرت. بعد ذلك، مُنع أكثر من مقال لكتّاب غيره. لذا، اعتبر القعيد أنّه لا بد من التصدّي للحرب الشرسة. لم يصمت كما يفعل الآخرون عندما تمنع مقالتهم، بل فضح الجريدة وظل يردد في لقاءاته الصحافية والتلفزيونية أنّ هناك «الكارثة» آتية لو صمتنا على السياسة الجديدة في التعامل مع أصحاب الرأي والمقالات، ودعا نقابة الصحافيين واتحاد الكتاب ومنظمات المجتمع المدني إلى مواجهة «الهجمة الإخوانية على الصحافة ورؤساء التحرير الذين ينتمون إلى الجماعة حتى لا يتسع الأمر وتقصف أقلام أخرى تنادي بحرية الرأي والتعبير، لأنّ حرية التعبير لا تقلّ أهمية عن حق الأكل والشرب والهواء للإنسان».
مشروع القعيد الأدبي بدأ عندما كان مجنداً في القوات المسلّحة. أن يكون جندياً في وقت الحرب يمنحه تجربة خاصة، لكن أن يكون مجنداً حينها في مستشفى يستقبل كل يوم مئات الشهداء والمصابين، فذاك جعله روائياً وقاصاً من نوع مختلف. كتب خمسة أعمال وهو مجند في القوات المسلحة، وإن لم يخرج بعضها إلى النور إلا بعد انتهاء فترة تجنيده. كتب «الحداد» (1969) و«أخبار عزبة المنيسي» (1971)، و«أيام الجفاف» (1973) و«البيات الشتوي» (1974)، و«في الأسبوع سبعة أيام» (1975). يبدو أنّ هذه الفترة أثّرت فيه حتى بعدما ترك الخدمة العسكرية. يقول: «بذرة روايتي «الحرب في بر مصر» التي صدرت عام 1978، واقتُبس عنها فيلم «المواطن مصري» بطولة عمر الشريف وعزت العلايلي واخراج صلاح أبوسيف، نمت بفضل وجودي في «مستشفى غمرة العسكري» بل من مشرحة ذلك المستشفى».
المبادئ الداعية إلى حرية الإبداع وإرساء مجتمع ديموقراطي يكون عقابها عادة الاعتقال والتهديد في مصادر الرزق. ورغم ما يحمله القعيد من حلم فاق ذلك كثيراً، إلا أنه يؤكد أنّه لم يتعرض للاعتقال في حياته. يقول «كنت مجنداً في القوات المسلحة خلال فترة الاعتقالات الشهيرة من 1965 حتى 1974. مع ذلك، لديّ انتقادات كثيرة علي نظامي عبد الناصر والسادات»، ويضيف: «لكنّي أيضاً لم أنضم الى أيّ تنظيم سياسي طوال حياتي».
صاحب «الفلاحون يصعدون إلى السماء» (1996) يلقب دوماً بأنه معبّر حقيقي عن المحيط القروي المصري، وبأنّه مؤرخ لتلك البقاع في رواياته. لكنّه يؤكد أنه لم يفكر يوماً في أن يكون مؤرخاً للقرية المصرية، لكنّها المكان الذي كان يعرفه جيداً «لكن بعدما عشت في القاهرة فترة طويلة، كتبت روايات كثيرة عن القاهرة وأحوالها وناسها. الرواية في الأصل هي فن كتابة التفاصيل الصغيرة». مشغول القعيد بالقاهرة تماماً كنجيب محفوظ. يعتبر صاحب «نوبل» واحداً من الذين تأثر بهم في الأدب. يقول: «محفوظ في الأدب، وصلاح عبد الصبور في الشعر، وألفريد فرج في المسرح، وأحمد بها الدين ومحمد التابعي ومصطفى أمين في الصحافة». ويضيف عن «عميد الرواية العربية»: «إنّه الوحيد من أبناء جيله الذي عرق كثيراً من أجل الكتابة. يمكنك الاختلاف معه على المستوى الإنساني. مع ذلك، هو لا يكرهك ولا تكرهه أبداً. كما أنه حافظ على استقلاليته وتلك مسألة ليست سهلة أبداً».
القعيد واحد من الروائيين الذين جاؤوا إلى القاهرة من القرية لأنّها الوحيدة القادرة على استيعابهم. يصف العاصمة المصرية بأنّها «مدينة تنوب عن وطن أو تلخّصه كلّه بجميع ما فيه. فيها دور النشر والصحف والمسارح والسينما». لكنّه يعود ويحكي عن مسقط رأسه الضهرية، إحدى قرى محافظة البحيرة في دلتا مصر: «ليست قرية، بل أرض زراعية وبيوت. إنها تلخّص مصر بالنسبة إليّ». في قريته، التحق بكُتّاب القرية فمدرستها الابتدائية، فالمدرسة الاعدادية ثم «معهد المعلمين» في دمنهور الذي تخرج فيه عام 1961، وعمل فيه في مهنة التدريس حتى جاء موعد تجنيده الإلزامي في القوات المسلحة.
ترك قريته إلى التجنيد في القاهرة عام 1965. من وقتها، لا يزال يقيم فيها. بعدما انتهت فترة تجنيده في القوات المسلحة التي شارك خلالها في حرب يونيو 1967 وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973، بدأ العمل محرراً أدبياً في مجلة «المصوّر» في نيسان (أبريل) 1974. ظل يتدرج المناصب الإدارية إلى أن وصل إلى منصب نائب رئيس تحرير المجلة. لكنه قرر فجأة أن يستقيل في شباط (فبراير) 2000 بسبب إصراره على أن يظل كاتباً مستقلاً عن أي مؤسسة سواء كانت خاصة أم قومية (حكومية). ينتقد القعيد مقولة «الصحافة مقبرة الأدباء»، مشيراً إلى أنّه استفاد كثيراً من مهنته كصحافي في مشروع الأدبي. يقول «بفضل عملي الصحافي، تمكنت من رؤية كل حشد في مصر». ويضيف «هناك مثال قاله هامنغواي وردّده بعده ماركيز كثيراً هو أنّ الصحافة تناسب الروائي كثيراً». بذلك، يعتبر القعيد أن عمله الصحافي «في خدمته كأديب وروائي لأني كنت أعرف متى أكتب بلغة الصحافة ومتى أكتب بلغة الأديب». وحقاً، كتب القعيد كأديب كثيراً، منها «يحدث في مصر الآن» (1977)، و«قصص من بلاد الفقراء» (1983) و«وجع البعاد» ( 1987) و«قطار الصعيد» (2004) و«قسمة الغرماء» (2005) وترجم عدد من كتاباته إلى لغات أجنبية، من بينها الروسية والإنكليزية، وترجمة روايته «الحرب في بر مصر» إلى الروسية والانكليزية والفرنسية والاسبانية والالمانية والهولندية، والعبرية أيضاً. إلا أنّه يصر على أن الترجمة العبرية كانت نوعاً من السطو كما أكد في بيان أصدره بعد ترجمة العمل. نال القعيد جوائز عدة، من بينها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2008، بعدما رشحته لها كلية الآداب في محافظة سوهاج. قالت الكلية في تقريرها عنه بأنّه «جمع بين غزارة الإنتاج واتساع دائرة المعبَّر عنهم والمشغول بهمهم والحزين من أجلهم والباكي معهم. كتب عن مصر والمصريين اجتماعاً وسياسة واقتصاداً». اليوم ومن أجل مصر، لا يزال القعيد واقفاً في خندق الدفاع عن حرية الرأي والإبداع التي يرى أنّ صعود الإسلام السياسي يهدّد كيانها ووجودها.





5 تواريخ

1944
الولادة في قرية الضهرية ــ محافظة البحيرة، دلتا مصر

1961
تخرج في معهد المعلمين في دمنهور في البحيرة

1974
بدأ العمل محرراً أدبياً في مجلة «المصور»

1978
صدور «الحرب في بر مصر»
التي اقتُبس عنها فيلم «المواطن مصري» وترجمت إلى لغات عدة

2012
منع مقاله «لا سمع ولا طاعة»
في جريدة «الأخبار» بسبب انتقاده
جماعة الإخوان المسلمين