يخسر الرجل في الهجر مَن كان يسهر معها وتخسر المرأةُ مَن كانت تستيقظ لأجله.
■ ■ ■


حبٌّ بلا خطر ماضٍ بلا ذكريات.

■ ■ ■


بدون الحبّ أنت مشروعُ حبّ.
حتّى الصحراء يتخلّلها حُبُّ الواحات، أمّا الطوفان فقد تخلّلته سفينة نوح.
بدون الحبّ، نحن لا شيء في حالة انتظار.

■ ■ ■


المرغوبةُ جسديّاً تُشعركَ بأنّها الكَرْم عند شفتيك، والمرغوبة كلّها، بشغفٍ وجنون، هي التي تُشعركَ بأنّها الحياة وما وراءها.

■ ■ ■


الوَلَع (أو الهيام، أو الشغف، أو أيّ ترجمةٍ لكلمة passion) هو جزءٌ من قَدَر الشخص الحامل له. قَدَرٌ وليس خطّة. طبعٌ مخلوقٌ تتضافر تجاربه على تأجيجه. الوَلَع لا يتوخّى المجاسدة، وإنْ حدثت لحامله فإنّما صدفةً أو برغبةٍ طاغية من الطرف الآخر.
الولعُ أقرب إلى الإيمان الملتهب منه إلى شيءٍ آخر.
الشهوةُ الجنسيّة، في الغالب، لا أخلاق لها غير ما تمليه أو تضبطه طباعُ صاحبها. يُعرَف الحبّ أنّه أكثر من رغبةٍ جنسيّة إن لم يَشْبع من الوصال، إذا ظلّ العاشق يرى وراء الجسد وليمةً مجهولة لا يشبع منها مهما استهلك، بل يزداد جوعاً. هكذا يُعرف أنّه انزلق من العابر إلى الدائم ومن اللحم إلى الروح.
ومن الماء إلى السراب.

■ ■ ■


- إذاً، لا تغارين؟
- أكرهُ أن أُخْدَع، أرفض أن أُهان، لكنّي لا أغار من امرأة.
- النتيجة ذاتها.
- لا، لا أترك نفسي تصل إلى النتيجة هذه، أي عذاب الغيرة، لأنّي متى شعرتُ بها تخلّيتُ عن الشريك. لا أتحمّل الغيرة.
- قوّة ضعفكِ تحميكِ؟
- صحيح. ولكن ليس تماماً. هناك غيرة لا تنفع معها حماية.
- وما هي؟
- غيرتي من جسدي. حين هو مَصْدَرٌ لمتعةِ الرجل بلا فضلٍ لي، بلا إشراك لذاتي الجوهريّة.
- أليس هذا جسدكِ أنتِ؟
- لا، ما يثير الرجل في جسدي هو أشكالٌ لا تختصرني. أشكالٌ تتجاوزني وتعيد خلقي في ذهنه على هواه. لا أعرف كيف أتخلّص من هذا الغيظ.
- سابِقي الرجل على حبّ جسدك.

■ ■ ■


ما تأخذه المرأةُ بالحبّ من الرجل هو أفضل ما فيه. الباقي منه يترجّح بين العدوانيّة والتفاهة.

■ ■ ■


عشيقةٌ فاضلة ترمي شِباكها على ماجن. تَحدّي الأضداد. يضاف إليه إتمامُ الاصطياد بما لم يكن في حسبان الصيّادة: اصطيدت الطريدة العابثة وأصيبت بعدوى الفضيلة.
ما نفع ماجنٍ لا يمجن؟ وما وهج معشاقٍ هجر حريمه؟ انتهت الحكاية بدون جوان سابق مخلص لدونجوانةٍ حاليّة ضجرت منه.
... اعرفْ أوّلاً سرّ انجذابها إليك.

■ ■ ■


تقوم العلاقة على عجين البَشَرة. مادّة مُشتهاة حدّ القضم. بين نعومة المداعبة وعنف الهياج. لولا روح العينين لبدت العلاقة محض لحميّة. لولا روح العينين ولولا تلك المساحة اللّامُلْتَقَطة بين الجسدين، مساحةُ ما يعصى على الاستهلاك.
هذه المساحة «المعنويّة» الغائمة، الهائمة، غير المطواعة، تُوجِع. هي العنصر السحريّ الغامض في ما نسمّيه الحبّ.

■ ■ ■


مَن لا يعرف أن يعبّر إلّا بجسده ليس أقلّ حبّاً ممّن يعبّر بالغزل والهدايا. عادة، النساء «الجسديّات» هنّ أكثر من الرجال موهبة في هذا الأسلوب، أشدُّ إدهاشاً، المفاجأة معهنّ مفاجأة، وفي الغالب ليست كذلك مع الرجال.
عطاءُ المرأةِ أكرم، بأيّ طريقةٍ كان.

■ ■ ■


في استسلامها ارتماءٌ إلى البحر مع جهل السباحة،
وفي عطائها كلّ ما مَلَكتْ، وكأنّه وداع...

■ ■ ■


العاشق العاديّ مرفوضةٌ قسوتُه، وأنانيّته بغيضة. لكنّنا نتفهّم القسوة والأنانيّة مُكْرَهين في حالةٍ وحيدة: لدى الخلّاق.
الذي يُصيّغ لنا الوجود ويَعْبُر بنا الصحراء والجحيم على متن السحر، هذا أبٌ أرضيّ لولا قليل لقلناه أباً كاملاً أرضاً وسماء.
ملاكُ رحمةٍ كهذا _ شاعراً، موسيقيّاً، مصوّراً، مُغنّياً، نحّاتاً، مخترعاً _ خالقُ رحماتٍ كهذا، لا بأس إنْ اقتضت ظروف عمله أنانيّةً هنا وقسوةً هناك. لقد صَنَع نقيضهما في بدائع وخوارق تمحو الزمن.

■ ■ ■


الخلّاقون لم يكونوا ولن يكونوا طواحين كلام، طواحين ألحان، طواحين أصوات، طواحين لوحات، طواحين أفكار وأحلام... كانوا، وهم، وسوف يظلّون أعداء القفر والفراغ، فرسان التكوين ضدّ الفوضى، حاملي الكوكب على أكتاف عبقريّاتهم وتحنانهم، ملوك النّجدةِ بالبهاء والنصرة بالعطاء، الساكبين فوق الغمر مياهَ الحلم وسطوعَ النيّرات في الحنايا والضمائر.
هؤلاء هم مُنْبِتو الشيحِ في الحقول ومُنْزِلو المطر على الأرض. هؤلاء مخصبو الحياة ومنقذو معناها وحُماة وهجها وعرسان ماضيها ورعاة مستقبلها. هؤلاء كانوا وما زالوا وسوف يظلّون شجرات الخير في الجنّة التي أنشأها سخاؤهم وتفانيهم على أرض البشر.
هؤلاء هم العمّال الأرباب، الأبرياء الذين تعهّدوا المذنبين والأبرياء، محامو الدفاع عن البشريّة لا في وجه الاتّهام فحسب، بل في وجه الحكم الصادر، الخبّازون الذين أعطوا مصائرنا أرغفةَ التجلّي والفرح والكرامة والمجد.
هؤلاء القدّيسون الذين طوّروا الشفاء بمختلف أشكاله، من الدواء إلى الاختراع إلى البَهْر الفنّي، الذين نرتقي عبر التماهي مع منجزاتهم إلى حدّ الشعور أنّنا، نحن الظلال الفقيرة، لسنا ظلالاً بل جبابرة مثل هؤلاء الجبابرة، وصار لنا، بفضلهم، حقّ النجاة، حقّ الارتعاشةِ المقدّسة، حقّ التسامي، حقّ الحبّ بلا حدود، وحقّ الإحساس بأنّنا، من مقاعدنا كجمهور ومن زوايانا كمستشفين وقرّاء ومستمعين، مشاركون في ابتكار هذه التقْدِمات الإلهيّة.

■ ■ ■


وذوو الجمال منهم في الطليعة.


■ ■ ■


اسمعْ شعر شعراء الأعماق، شعراء الطفولة والطبيعة، اسمع أغاني النشوة بالحياة، أغاني المرح والحزن، أغاني الحناجر المطلّة على أرواحنا من الذُرى، الطالعةِ من هيولى المشاعر الغامضة، اسمعْ أناشيد الكون، الرقص والسَهَر، الدعاء والتحيّة، اسمع ما يُطعّمك بالحبّ، ما يضع روحك كاللحم الحيّ على مَلْمس الجمال...
مَن صَنَعَ هذه الأشعار، تلك الأغاني، تلك الموسيقى؟ وكيف صُنعتْ؟
صنعها جبابرة بمِزَقِ قلوبهم. وُصنعت بقسوة الوحيد الموحَش الذي، رغم محكوميّته البشريّة البائسة، أراد أن يساعِد... أراد أن يخلق أُنساً وبشارةً لهذه القوافل المشلوحة في عراء الوجود...
اسمعْ ألحانَ الوحيد كيف تُحوِّلُ رعبَ الكون إلى عيدٍ يلهج بالحبّ. اغفرْ له قسوةَ طبعه إذا قسا وأنانيّته إذا استحوذ: إنّه الأب والأمّ ومَن فوقهما.
لقد أقام لنا هياكل السحر التي أقامت لنا معابد الحبّ.
حبُّ شخصٍ أو حبّ الحبّ.
الحبّ يخلقه الجمال.