دمشق | بات معروفاً أنّ الأزمة السياسية في سوريا أثارت انقساماً حاداً، وبلغ الأمر حد تقسيمات عنصرية وطائفية مقيتة على خلفيّة الحدث الرئيسي الذي تشهده عاصمة الأمويين منذ أكثر من سنة. مع ذلك، حوّل أهل الشام تفاصيل معاناتهم اليومية وخوفهم من الموت المباغت إلى كوميديا سوداء وصاروا يسخرون من الحال التي وصلت إليها الحياة، ويصوغون النكات بمحاذاة ما يحصل من قتل وتدمير ومجازر. تارة، ينشرون صوراً عن أبطال مسلسل «ضيعة ضايعة» وهم يخططون لإسقاط الطائرة التركية، على اعتبار أنّ القرية التي جرى فيها تصوير المسلسل تقع على الحدود السورية والتركية، وطوراً يؤلفون النكات حول انشقاق الطيّار السوري الذي هبط مع طائرته في الأردن. وعلى الرغم من تراجع المهرجانات والبطولات الرياضية العالمية في الشارع السوري، إلا أنّ بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم تركت حضوراً لطيفاً لدى محبّي الرياضة الكثر. انطلاق البطولة أوحى لبعضهم بأنّ الرياضة ستصبّ الزيت على النار وتزيد انقسام الشارع السوري الذي اتخذ مواقف متباينة من الفرق الرياضية بحسب موقف حكوماتها مما يجري في سوريا. الفريق الروسي مثلاً واجه تشجيعاً واضحاً من المؤيدين للنظام، بينما شنّ عليه المعارضون حملة مستعرة بلغت ذروتها في مباراته مع اليونان قبل أسابيع، إذ حقق بلد الفلاسفة فوزاً أقصى الدب الروسي عن البطولة، فنالت اليونان مباركة المعارضة السورية، لكن كل ذلك كان يجري في حالة كرنفالية تدور رحى المنافسة فيها على طاولات المقاهي والأماكن العامة التي اعتاد الجمهور الجلوس فيها لتشجيع فريقه المفضل، من دون أن يفسد التنافس ما تبقى من ود. وطبعاً، لم يخلُ الأمر من بعض الصيحات والعبارات التشجيعية الممزوجة بدخان النراجيل التي ينفث معها السوريون شيئاً من وجعهم هذه الأيام... فيما ساعد توقيت المباريات في الأدوار النهائية على عودة الحراك نسبياً وكسر السكون الذي يعتري ليالي دمشق منذ مدة. الظاهرة الاجتماعية الصحية لم تفلت من انتقادات بعض المنظّرين عبر الصفحات الإلكترونية. انهال بعضهم بنقده اللاذع على الجمهور الذي نسي قضاياه الكبرى وتفرّغ لمباريات كرة القدم التي تدور بين «فرق الدول الاستعمارية» بحسب تعبير أحدهم. فيما اتخذ آخرون قراراً بعدم مشاهدة المباريات على «الجزيرة الرياضية» صاحبة الحق الحصري في نقل البطولة... ليس فقط بسبب مواقف «الجزيرة» الإخبارية السياسية الأخيرة، بل أيضاً لأنّ كرة القدم هي رياضة الفقراء، والمحطة القطرية باتت تحتكر هذه الرياضة مقابل اشتراك تصل قيمته إلى حوالي 200 دولار سنوياً، وهو مبلغ يثقل كاهل السواد الأعظم من السوريين. لذا تندّر أحدهم: ماذا يفعل الطفل الذي يرتدي قميص رونالدو ويقطن في العشوائيات... هل يتابع المباريات من خلف زجاج المحالّ الفاخرة؟!