تونس | مع اندلاع الثورة في ليبيا، لجأ آلاف من العرب الأفارقة والآسيويين إلى الحدود التونسية، حيث احتضنهم مخيم «الشّوشة» القريب من مدينة بنقردان على الحدود المشتركة بين البلدين. الإقامة لأكثر من عام ونصف في مخيّم اللاجئين، صهرت الأجيال والجنسيات والثقافات المختلفة في بوتقة واحدة، هي شعورهم الجماعي بالألم والعذاب النفسي ومكابدتهم انتظار مصيرهم المجهول.
هكذا، راح اللاجئون يكتبون ويعزفون وينشدون حنينهم إلى بلدانهم البعيدة، علّها تحتضنهم وتنهي معاناة الإقامة تحت الخيام في انتظار المساعدات الإنسانية العالمية. في هذا الطّقس السريالي، وفي انتظار «غودو» من نوع آخر، أنجز بعض اللاجئين العالقين في المخيم مشروع «أزهار الغبار»، في إشارة إلى العلاقة الجدلية بين أحلامهم وغبار مدينة بنقردان الصحراوية.
العمل الفني الموسيقي الذي افتتح فعاليات «مهرجان ربيع سبيطلة الدولي»، الذي اختُتم أخيراً في محافظة القصرين (وسط غرب تونس)، جمع 8 فنانين، هم: عازف البيانو هفتوم أديا (إريتريا)، والمغني وعازف البيانو كابان كارل (الكاميرون)، والمغنون وأكيلو توالداي (إريتريا)، وكناتو يعقوب (ساحل العاج)، وسميرة بابار (باكستان)، وعبد الرزاق محمد علي (الصومال)، إضافة إلى الرابر محمدو كامرا (مالي)، والفنان التشكيلي العراقي محمد كريم.
لا يروي العمل قصة آلاف الهاربين من جحيم الحرب في ليبيا فحسب، بل يذهب أبعد من ذلك ليحتوي معاناة الملايين حول العالم ممن شرّدتهم الحروب وعبثت بأقدارهم.
المشروع الذي امتدّ لأكثر من ساعة ونصف، تخللته عروض موسيقية، وأخرى غنائية وراقصة، إضافة إلى معرض تشكيلي... يكشف عن عذاب اللاجئين في «اللامكان» و«اللاوطن». يتساءل الفنانون عن وجهة اللاجئين القادمة. وتبدو الإجابة بديهية بمجرّد النبش في أحلام هؤلاء. بعضهم يبحث عن تأشيرة دخول إلى أميركا أو أوروبا أو كندا، في حين يكتفي آخرون بالانتظار. يلقى العمل دعم المخرجة السينمائية التونسية والعضو في «المجلس التأسيسي» عن «الكتلة الديموقراطية» سلمى بكار (1945). وسيُعاد عرضه في مدن تونسية أخرى، دعماً لهؤلاء اللاجئين البسطاء الذين حوّلوا الألم إلى إبداع.