ماذا يقال لكِ يا سوريا؟لا يقال للفاجعة، لأودية الصراخ والجنون،
لا يقال شيء...
عندما يصبح الدواء داءً، ما الذي يعود يشفي؟
عندما ينقلب المركب في العاصفة، على مَن يُطْرَح الصوت
والقريبُ عدوّ والبعيدُ بعيد؟
أنقذكِ الله يا سوريا!
رَمَتكِ العينُ وقد رمتنا قبلكِ، وعندك الخبر اليقين...
تَعلّمي ممّا اختبرتِ، عندنا وعندكِ، أسرعي يا سوريا!
ضُرِبْنا في فلسطين، ضُربنا في لبنان، ضُربنا في العراق، واليوم نُضْرَب في سوريا.
جُوِّفْنا لحماً وعظماً.
أين أنتِ؟
استيقظي يا سوريا!...

■ ■ ■

لا أحد من خارج دوائر الأصوليّين يريد لهؤلاء الوصول إلى السلطة. ولا في بلد عربي. لكن منعهم لا ينجح بالقوّة، وإذا نجح مدّة فسيعودون أقوى ممّا كانوا وتنفتح أمامهم أبواب السلطة. كيف يُحال بينهم وبين التسلّل إلى الحكم تارةً من وراء المعتدلين وطوراً من أمامهم؟ بفتح دفاتر أهدافهم ومحاسبتهم قانونيّاً. وبلا غرفِ تعذيب ولا حربٍ أهليّة.
كلّ شيءٍ لتجنُّب العنف والوقوع في معادلة الانتحار: المهاجِم لا يقدر أن يتراجع لأن التراجع موت، والمهاجَم لا يقدر أن يهرب لأن الهروب موت. كلّ شيءٍ إلّا هذه المعادلة.
ولا سلطة تستطيب النصح. خصوصاً السلطة المطلقة. نحن لا ننصح، لكنّنا نحن والسوريون أهل ونكباتنا متبادلة، ولو لم تكن سعاداتنا متبادلة. مهما يكن ما أصابنا من سوريا، ومهما تكن الحسابات، حيال الخطر، لا بدّ من تنقية الرؤية. ولا بدّ في سوريا من التعالي على عداء الإخوة إلى أيّ حزب أو مذهب انتموا. الشعب الذي قهر الاستعمار الفرنسي وأعاد توحيد بلاده بعدما قسّمها المحتلّ دويلاتٍ مذهبيّة، شعب سلطان الأطرش، شعب يوسف العظمة، شعب الأبطال والشهداء أحياءً وأمواتاً، إذا كان ضحيّة مؤامرة فيجب أن يواجهها موحَّداً ويفضحها بما يتيحه الإعلام الحديث من وسائل، وهي هائلة. وإذا كان ما يواجهه انفجاراً داخليّاً بسبب التراكمات الداخليّة فيجب أن يعالجها بعطف الأب ونزاهة القانون ورحمة الاحتضان.
قبل أشهر قلنا هنا إنّ ما يحصل في سوريا لم يعد يطاق. كان القتلى لا يزالون بالمئات. ما نقوله اليوم إنّ ما يحصل في سوريا لم يحصل إلّا في أفلام الرعب. السكوت عنه له تفسيران لا ثالث لهما: الخوف من النظام أو الاصطفاف مع النظام. الموقفان يلتقيان في التهليل لشلّال الدم.

■ ■ ■

الشعب، هذا المغلوب، المستسلم أو الشهيد، الشعب العربي المخنوق من المهد إلى اللحد، أسير عقله وتربيته وأهله وحكمه، هذا المصلوب المفتوك به، الشعب، الشعوب العربيّة أسعد من حكّامها. كيف؟ لأنّ ضمائرها ليست مقابر عامّة. لنتخيّل ليل الحكّام. ليل ابن الشعب جوع ونجوم وتشوّق إلى المستحيل، ليل الحاكم محاسباتٌ وشكّ. ليل الشعب خوفٌ من الآتي، ليل الحاكم خوفٌ ممّا مضى وممّا يحصل وممّا سيأتي. ليل الشعب صلاةُ مَن لم يعد له ما يخسره، ليل الحاكم ظلامٌ مفتوح على ظلام.
الشعب يُقْتَل ولا أحد يُسمّي قتلاه، الحاكم يدلّ عليه العالَم. الشعب يتمسّك بالسلطة، الشعب يتمسّك بالحريّة.
حريّة مجنونة؟ ليس هناك حريّة عاقلة. الحريّة مجنونة بطبيعتها لأنّها تلوي قضبان السجن. قضبان السجن لا يلويها الاعتدال بل العضلات، بإرادة لا تعود ترى. الحريّة سكرى أو لا تكون سوى نَزَق سطحيّ. حريّة الفرد مغامرة في وجه الوجود الغاشم، حريّة الشعوب تصحيحٌ لمسار الحياة.

■ ■ ■

حبّذا لو يتوقّف الناصحون عن حثّ لبنان على عدم التفاعل مع الشأن السوري. ليس هذا ممكناً. والدليل سوريا. في حرب السنتين 1975 ـــــ 1976 تدخّلتْ في شؤوننا وبعدهما دخلتْ بكلّ قواها، بطلب وبلا طلب. وطبعاً بترحيب مسيحي... هذا ليس الموضوع. الموضوع أنّ اللبنانيين ليسوا سويسريين وأن سوريا ليست أميركا ولا الصين بل هي سوريا التي كان لبنان جبلاً فيها. نحن شعب واحد لم يغترب فينا ولم يتباغض إلّا الحكّام. غرباؤنا هم حكّامنا وأحزابنا وزعران حكّامنا وأحزابنا. يستطيع هؤلاء أن يغسلوا أيديهم أو أن يؤجّجوا المذابح والشعب اللبناني لا يستطيع كما أن الشعب السوري لم يستطع خلال الحرب اللبنانية أن يتفرّج على المذابح اللبنانيّة دون أن يتمزّق ودون أن يفتح بيوته للهاربين من جحيم ذاتهم.
لا يملك لبنان أن يتدخّل بالجيوش ولا يحلم بالوصاية. والسوريّون لا ينتظرون منه أكثر ممّا في قدرته. وقدرته محدودة جدّاً وكبيرة جدّاً. يحدّها العقل وقد كبّرتها التجربة. الفريقان في سوريا يتدهوران نحو الأسوأ والفريقان يغرقان. النجاة هي التسوية، والتسوية تضحية من الفريقين. التقدّم هنا هو في التراجع. التشبّث حَفْرٌ للقبر. لا السعودية وقطر والغرب تريد «التحرّر» للمظلومين ولا روسيا والصين ولبنان وزير الخارجيّة تريد الخير والعدالة للسوريّين. الأوَّلون مع الفوضى والآخرون واحدة مع قواعدها العسكريّة وثانية مع مصالحها الاقتصاديّة وثالث مع المذهبيّة فضلاً عن الخوف.
التسوية. في بعض مواد الدستور الجديد تقدُّمٌ إصلاحي، رغم عار النص على دين الدولة ودين رئيس الدولة. تقدّم إصلاحي لكنه لم يحلّ المشكلة. لماذا؟ فقط لفقدان الثقة بالحكم؟ فقط لاستمرار القصف؟ فقط لجموح المعارضة؟ ربّما، ولكن أيضاً لغياب كلمة، كلمة واحدة صغيرة سحريّة هي المفتاح لكلّ الأبواب المغلقة والقلوب المغلقة والعقول المغلقة: كلمة حريّة. الحريّة للجميع. تبخير الدم الذي سُفك، بنعمة الحرية. لا وجود لجمهوريّة بدون حريّة، ولا حريّة بلا ديموقراطيّة، ولا ديموقراطيّة تحت نعال الاستخبارات وفي أشداق الفتنة.
ما اقترحناه بكل تواضع قبل أشهر كان الحريّة. لا غير.
اطووا أكاذيب المفاوضات الدوليّة. أوقفوا تأجيل الحلّ فكل تأجيل على أمل الحسم تمديد للموت. اطووا الماضي. ما سقط من المقدّسات كان يجب أن يسقط وما سُفك من دماء لن يوقفه المضيّ في التدهور تحت اسم الصلابة من هنا والتصلّب من هناك بل يوقفه التدارك والوعي والتضحية. حذار الأسوأ: السقوط فيه بدأ. لن يتطوّع أحد لدرئه إنْ لم يستيقظ السوريّون. شبح التقسيم بدأ يظهر خلف الفتنة.
لا يستطيع المُكبَّلُ أن يطلب أقلّ من الحريّة. ولا يجوز للمُكَبِّلِ أن يعطي أقلّ من الحريّة.



عابرات

ما أصغر انتصار المنتصر بالحساب والخطط حيال انهزام المنهزم بانفجار معاناته.

■ ■ ■

لا تَبُح أنت بحبّك للمعشوقة. أسوأ موصِلٍ لحبّه هو العاشق.
اجعلْ بينكما رسولة صديقةً لها، على أن لا تكون هذه مغرمة بك.
الوساطة تنهب المسافات وتُجيّش الحلم وتضعك لدى المعشوقة في مقام الهائم.

■ ■ ■

ما كلّ مَن يسقط يَنْحَطّ.

■ ■ ■

المُلْهِم يعرف أنّه مُلْهِم بنسبةِ ما يعرف الليل أنّه ليل والقمر أنه قَمَر.

■ ■ ■

نفقد طفولتنا يوم نبدأ بإتقان الكذبة، فتَخْدع جدّاً.

■ ■ ■

لكلّ لحظة غريزتها، اصغِ إلى ما تقول.

■ ■ ■

قولنا في الحديث عن غائب: «والله فلان كان معه حقّ!»، انتقاصٌ من حاضرين أكثر ممّا فيه إقرارٌ بذكاء الغائب.

■ ■ ■

مهما خدعتَ الطفل لن ييأس أبداً.