في الفن كما في السياسة، هناك من يبيع نفسه، ومن يحافظ على مبادئه، فيخسر الكثير من النجومية. «قد أكون حققت أقلّ مما استحقّ، لكنّه بالتأكيد أكثر ممّا توقّعت». جملة يكرّرها نبيل الحلفاوي، بصوت المؤمن بموهبته، وبتاريخه الحافل بالأعمال الدرامية والمسرحية والسينمائية الملتزمة. لا يجد أيّ حرج في الاعتراف بندمه، على تجربة شارك فيها، يعدّها فاشلة. «فيلم «سيّدة القاهرة» (1991) مع يسرا وجميل راتب، الذي كان مكتوباً كتابةً جيدة، لكنّ إخراجه كان رديئاً. عندما ذهبت إلى مشاهدة العرض الأوّل مع جميل راتب، ضحكت كثيراً».
«كدنا نلمس السحاب بأيدينا، حين جاءنا السقوط من حالق بعد هزيمة 67». بهذه الجملة يفتح الحلفاوي باب الذكريات على أيام عبد الناصر. «عام 1967، كنت لا أزال طالباً في معهد التمثيل. في أول أيام الحرب، قررت مع أقرب أصدقائي حينها نور الشريف، وكان قد تخرّج لتوّه من المعهد، أن نلتحق بالدفاع المدني. سرنا على الأقدام من بيتي في لاظوغلي إلى معهدنا في الهرم، لنبيت هناك، تملأنا الثقة بالنصر. إلى أن كانت الهزيمة، وكان التنحي، وخرجت الملايين في مصر والوطن العربي تحت أصوات المدافع، لتتمسك بعبد الناصر، ورفضاً للاستسلام». يستكمل ذكرياته ليصل إلى حرب الاستنزاف (1969)، عادّاً نفسه واحداً ممن شاركوا في تخليدها، كمحاولة بسيطة «لرد الجميل إلى بعض أبطالها»، من خلال شريط «الطريق إلى إيلات» (1993)، للمخرجة إنعام محمد علي. يبدي حزناً شديداً لأن عبد الناصر لم يشهد فرحة انتصار أكتوبر عام 1973.
حكاية نبيل الحلفاوي مع القائد المصري تحيّر من يسمعها. شاءت الظروف أن ينتقل الطفل المولود في محافظة الجيزة، للعيش مع أخواله في القاهرة، بعد سفر والده إلى إنكلترا في بعثة علميّة. أقام مع عائلة والدته في لاظوغلي، على حدود حي السيدة زينب الشعبي. «أبي رجل علم، وخالي الأكبر كان من أوائل المصريين الذين اقتحموا مجال تصنيع الدواء، وأنشأ بمساعدة والدي مصنعاً للأدوية. اندمج المصنع فيما بعد مع شركة أخرى، إلى أن أطلق عبد الناصر حركة التأميم 61، وتحول أخوالي من مالكين، إلى موظفين في مصنعهم». لهذا، كان عشق الحلفاوي لعبد الناصر، وإعجابه به، يثير غضب أخواله. فبعدما تزوجوا، وتركوا بيت العائلة، كانوا يأتون لزيارة نبيل، فتواجههم صورة بالحجم الكبيرة لـ«الريّس»، علّقها المتحمّس الشاب في صدر الصالة. «كان خالي الأكبر الذي فقد شركته بعد التأميم يقول لي: «وكمان معلّق صورته؟»».
تلمّس الحلفاوي موهبته منذ أن كان في الجامعة، طالباً في «كليّة التجارة». «أوّل عمل شاركت فيه كهاوٍ، كان مسرحية «القضيّة» للطفي الخولي، من إخراج محمد سالم، ضمن فريق التمثيل في «كلية التجارة». وتوالت الأعمال حتى أصبحت بطلاً لمنتخب «جامعة القاهرة» في مسرحية «هبط الملاك في بابل» لفريدريك دورينمات من إخراج سعد أردش، وعرضناها في دار الأوبر التاريخية التى تعرضت لحريق هائل فيما بعد دمرها تماماً». لهذا، بعد تخرّجه عام 1966، سارع للالتحاق بـ«المعهد العالي للفنون المسرحيّة»، ليتخرّج منه بتفوّق عام 1970. «كنت الأول على الدفعة بتقدير امتياز، مع مرتبة الشرف». ضمّت دفعته مبدعين كثراً، منهم محمد صبحي، وهادي الجيّار، ولطفي لبيب، وشعبان حسين. رفض الحلفاوي أن يعيَّن معيداً في المعهد، بحكم تفوّقه، فقد كانت طموحاته تتجه إلى آفاق أخرى. «كان هدفي، وحلم حياتي، العمل في المسرح القومي».
يتذكّر المرة الأولى التي وقف فيها على خشبة «المسرح القومي» حين كان طالباً، في عرض «دائرة الطباشير القوقازيّة» للمخرج سعد أردش، عن نصّ لبريخت. وبعد تخرّجه بعامين، أصبح عضواً رسمياً في فرقة «المسرح القومي». «وقتها شعرت بأنني امتلكت الدنيا». أدّى مع الفرقة أدواراً كثيرة، منها الزير سالم في «الزير سالم» لألفريد فرج وحمدي غيث، والمفتي في «طقوس الإشارات والتحولات» لسعد الله ونوس، إخراج حسن الوزير، كما شارك في أعمال دراميّة عديدة، أبرزها «رأفت الهجان» (1990)، و«الزيني بركات» (1995) لجمال الغيطاني ويحيى العلمي، و«زيزينيا» (1997) لأسامة أنور عكاشة وجمال عبد الحميد...
الفنان المثقف أصبح عملة نادرة في هذا الزمن، إلّا أنّ نبيل الحلفاوي مثقّف مطلع على مجالات عدة، من السياسة إلى الاقتصاد والدين، وصولاً إلى الشعر والأدب، لكنّه مع ذلك يرفض أن ينعته أحد بالمثقّف، «لأنّني جالست مثقفين حقيقيين، وقرأت لغيرهم. أنا مجرّد شخص عندي فضول دائم للمعرفة، وأجد متعة في القراءة. ورغم طغيان المعرفة الإلكترونية واستعانتي بها دوماً، إلّا أنّنى ما زلت مرتبطاً بالصحافة الورقية والكتاب الورقي، ففيهما أجد متعتي وراحتي». وعلى عكس فنانين كثيرين، يبدو الحلفاوي مقتنعاً بأنّ كتابة الشعر وممارسة التمثيل لا يمكن أن تجتمعا في شخصية واحدة. «منذ سنوات اقتحمني الشعر وألحّ عليّ، فبدأت في إخراج بعض القصائد على الورق». أصدر بالفعل ديواناً شعرياً واحداً، ثمّ توقّف تماماً بعد ذلك. «تعمدت التوقّف، لأن كتابة الشعر تتناقض مع التمثيل. الشعر هو أن تعبِّر عن ذاتك، أو ما تشعر به. أما التمثيل، فهو أن تخرج من ذاتك لتجسّد شخصية معينة». يؤمن الفنّان الستيني، بأنّ ثورة «25 يناير» كان لها فضل شخصي عليه.«كنت أعاني قبلها حالة اكتئاب حادّة، دفعتني إلى الاعتذار الدائم عن عدم العمل، بسبب فقدان الأمل، ليس فقط بتحسن الوضع العام، بل أيضاً بوقف التدهور السريع. لم يشفني من اكتئابي إلا نجاح الثورة، بعد خروج الشعب كله، مع الطليعة الشبابية وانتصارها على الآلة القمعية، وسقوط رؤوس النظام، وموقف جيشنا الوطني المشرّف بانحيازه إلى الشعب».
فنانون ونجوم كثر نزلوا إلى ميدان التحرير، بعضهم ليشارك الشباب في ثورته، وبعضهم كي تنشر صوره في الصحف فقط... لكنّ الحلفاوي لا يحبّ الادعاء. يسرّ إلينا بكلّ بساطة: «لم أنزل إلى التحرير لأنَّني ما عدت أحتمل الزحام، وأصاب بدوار وهبوط، مما جعلني أقاطع المهرجانات الفنية والندوات في السنوات الأخيرة، إلا في حالة الضرورة القصوى. وبعدما هدأت الأحوال، اعتذرت عن عدم المرور على التحرير رفضاً لشبهة الظهور الإعلامي أو الركوب على الثورة. مررت في الليل سريعاً مرة واحدة، من دون أن أنزل من سيارتي، بعدما فكر بعضهم في تغيير اسم ميدان التحرير إلى ميدان الشهداء، وتكلّمت مع بعض الشباب، لأثنيهم عن هذه الفكرة». يرى الحلفاوي أنّ صعود التيارات الإسلامية سيترك أثراً سلبياً على الفنّ، وحريّة الإبداع. «لكن متى وإلى أيّ مدى؟ هذا يتوقّف على صراع القوى بين المتشددين والمستنيرين داخل هذه القوى نفسها، ومدى صمود المبدعين في الدفاع عن دور مصر التاريخى كمنارة للفن والثقافة والأدب». في هذا الإطار، يتفاءل الممثل العتيق بالدور الذي يمكن أن تؤديه «جبهة الإبداع المصري» التي شارك في تأسيسها أخيراً للدفاع عن حرية الفنانين، مطالباً بأن يكون لها دور في وضع الدستور الجديد للبلاد.



5 تواريخ

1947
الولادة في الجيزة (شمال مصر)

1970
تخرّج من «المعهد العالي للفنون المسرحية» أوّل على دفعته، وبعد عامين انضمّ إلى فرقة المسرح القومي

1993
أدّى دور البطولة في فيلم «الطريق إلى إيلات» لإنعام محمد علي

2007
أدّى دور علي ماهر باشا في المسلسل الجماهيري «الملك فاروق» لحاتم علي

201
شارك في تأسيس «جبهة الإبداع المصري» لكي تدافع عن حرية الإبداع بعد صعود تيارات الإسلام السياسي