يخلع سامي حوّاط كلّ همومه ومشاكله، قبل أن يلاقيك في باحة «مسرح المدينة» (الحمراء ــــ بيروت). لا يرقب المستقبل إلا من باب الفرج الواسع. أحلامه تمتدّ إلى أبعد زمان ـــ غير زمانه ربما. أما ذاكرته فهي مخزون من الإبداع والحنين، ينقذه أحياناً من الغضب ممن أساؤوا إليه. تسأله من هم؟ يجيبك: «لا أحد».ذاكرة الطفولة عند الموسيقي والمغني اللبناني مشوّشة، ومردُّ ذلك برأيه إلى تلك العلاقة التي جمعت بين والده ألفريد حواط معلم اللغة العربية ابن قرية زبدين (جبيل)، ووالدته الفنانة تريز عازار ابنة انطلياس (شمالي بيروت). «كل واحد منهما كان من منطقة مختلفة، عشت بينهما، وكنت كثير التنقّل». استقرّ به الأمر بجوار عائلة جدّه لأمه، وكانت عائلة موسيقيّة بامتياز. «كانت خالتي لوريس عازفة عود ماهرة، جعلتني أهوى هذه الآلة. وعندما بلغت الثالثة عشرة (1969)، قالت لي والدتي: عليك أن تلتحق بالمعهد العالي للموسيقى لتتعلم الصولفيج». وفي أنطلياس أيضاً، كان قريباً من الرحابنة، وتحديداً من زياد الرحباني، إذ كانا من جيل واحد. أرخت الموسيقى الكنسيّة بظلالها على يوميّات الفتى «المتشرّد» بين مدرسة وأخرى. جدّه لوالده، طوبيا حوّاط، كان كاهناً. «كنت أتردد عليه لأسمع الألحان الكنسية السريانية والبيزنطية».
كان عليه العمل في الزراعة لتسديد مصاريف المعهد الموسيقي. بقي فيه لأربع سنوات، تتلمذ خلالها على يد عبد الغني شعبان، وتوفيق الباشا قبل أن يلتحق بالإذاعة اللبنانية، حيث صنّف مطرباً. بإشراف حليم الرومي، أعدّ له سعيد الناشف أغنية خاصة بعنوان «حبيبة قلبي»، بثّتها الإذاعة عام 1973. عندما قدّم زياد الرحباني باكورته المسرحيّة «سهريّة» (1973)، كان له مشاركة في الكواليس، قبل أن يقدّمه زياد في العام التالي في مسرحية «نزل السرور»، بدور عبد الكريم، وبأغنية «طلّي اضحكيلو يا صبيّة». «كانت عندي رغبة جامحة في التمثيل، وكنت أبحث عن المسرح والموسيقى والغناء، وأتطلّع نحو الفن الشامل».
كانت «نزل السرور» فاتحةً لأعمال مسرحية وغنائية، جمعته بجوزيف صقر وثلّة من الفنانين الذين شاركوا في معظم أعمال زياد الرحباني. إثر اندلاع الحرب الأهليّة، انتقل الرحباني الابن للإقامة في منطقة الحمرا في بيروت، وأقام حوّاط مع صقر في منزل عمّة الأخير في شارع القنطاري. وصارت المجموعة تعمل ضمن دائرة واحدة، في ظلّ «الحركة الوطنيّة»، بين نشاط سياسي وفنّي. هكذا، شارك حوّاط في معظم أعمال زياد الرحباني من «بالنسبة لبكرا شو» (1978)، إلى «فيلم أميركي طويل» (1980)، إلى «شي فاشل» (1983). «هذه المرحلة يجب أن توثَّق، لأنّها غنية بالكثير من التفاصيل الإبداعية. ومهما غرفت منها، فلن تنضب أو تنتهي، رغم كلّ ما أحاط بها من أحداث وحروب».
ومن المسرح ممثلاً إلى الألبومات الغنائية فناناً ثورياً، أدّى سامي حوّاط بصوته معظم أغنيات شريط «أنا مش كافر» (1985). كانت هذه الأسطوانة كفيلةً بإطلاق حوّاط مغنّياً ثورياً ذا صوتٍ دافئ. انطبعت أغنيات «أنا مش كافر» في ذاكرة جيلٍ عانى الفوضى، والحرب، وضيق الأفق السياسي والمهني. باتت الأغاني تتردد على كل شفة، ولمّا تزل تحظى بحيّز كبير من الاهتمام الفني لغاية اليوم. ««أنا مش كافر» جاءت في السياق، ومهرت الوضع القائم حينها ببصمة كبيرة جداً». بعد ذلك، قدّم مع زياد ألبوم «هدوء نسبي» (1984)، وأدّى بصوته الأغنية الشهيرة «بلا ولا شي».
كان عام 1986، عام الافتراق بينه وبين زياد الرحباني. «أردت الاستقلال عن هذه المجموعة لأختبر قدراتي الذاتية، لأعرف ماذا أختزن، وماذا أستطيع أن أقدّم بمجهودي الخاص. عندما نعمل تحت سقف واحد، يذوب الأشخاص في الشخص. انفصلت عن المجموعة من أجل نفسي. من الرائع أن تكون هناك مجموعة تنتج الإبداع، لكن يجب أن يبقى هناك دائماً هامشٌ للفرد. شعرتُ بأنَّ المسرح بدأ يضغط على صدري. لذلك بحثت عن الحرية ووجدتها. وكلّما تسنَّى لي ذلك، سوف أفعله، ولن أخنق نفسي في مكان محدَّد».
بدأ الاتكال على نفسه وعلى قدراته، وقرر الخوض في مضمار التلحين والغناء وربما الكتابة. «اخترت التلحين أولاً، ولجأت إلى مجموعة من أصدقائي الشعراء، منهم جورج يمين، ومحمد العبد الله، وعبيدو باشا، وغسان مطر، وخالد الشرتوني». وجاء لحنه «حضرتنا من الرأي العام» من ألبومه «الرأي العام» (1992)، ليثبت وجوده كفنان منفرد، يمكنه اعتلاء المنصّة، والأداء على مدى ساعتين متواصلتين. حملت حفلاته نكهة اليسار، وبدا سائراً على خطى الشيخ إمام. من ألبوم «الرأي العام» إلى ألبوم «في شي ما شي» (2000) الذي صدر باسم «سامي حواط والمجموعة»، إلى إصدارات خاصّة تحت عنوان «أنا الصحة» و«نحن الأطفال» (قدمها لـ«تلفزيون لبنان» من إخراج سمر الحاج شلق في أواخر التسعينيات) وصولاً إلى أسطوانة «رحّالة» التي سجلها عام 2002 في «دير البلمند» وهي أسطوانة موسيقية تأمليّة غنّى فيها «بلادي بلادي ولن أرحل»، من كلمات الشاعر غسان مطر. «كانت مرحلة رائعة وستبقى عندي في موقع الريادة».
إلى جانب المسرح والموسيقى، وزّع صاحب «أحد الإخوان» (شعر محمد العبد الله) نشاطه بين الإذاعة والسينما أيضاً. عام 1984، قدّم في الإذاعة اللبنانيّة برنامج «إنو حيالله واحد يحكي» مع الراحلة ليال الرحباني، وأعدّ جميع أغاني البرنامج وموسيقاه. كما واكب إذاعة «صوت الشعب» منذ انطلاقتها عام 1987، وكتب ولحّن لها أكثر من «جنريك»، منها «يبقى ما خلصت الحكاية». وفي السينما، شارك في فيلم «خارج الحياة» (1990) لمارون بغدادي، وفي «طيف المدينة» (2000) لجان شمعون.
منفرداً أو مع الفرقة، جاب سامي حوّاط مختلف المناطق اللبنانيّة وبلدان أوروبيّة عديدة منها: فرنسا، وإسبانيا، والنمسا، والبرازيل، وبريطانيا، واليونان، وكوريا الشماليّة، وكوبا، وأستراليا، والنرويج... كلّ هذا كان قبل عام 2005، حين قرر النأي بنفسه. اعتزل الغناء والعزف، فجعل مسقط رأسه زبدين صومعته. «في تلك الفترة، تبدّلت أحاسيسي. تركيبة الوضع تغيرت. لماذا، كيف، وأين؟ لا أعرف، لكن أعرف أنّ إحساسي قال لي هذا، وجعلني ألجأ إلى نفسي، وأعود إلى ذاتي من أجل تكوين أفكاري، بعيداً عن الضجيج. طوال حياتي لم أحزن مرة من أحد أو بسبب شيء، لأنني صافٍ، ولا شيء يهزني أو يغضبني. ومن أزعجني، فقد أغضب نفسه، ومن أفرحني فقد أفرح نفسه».
عندما قرّر العودة، وبعد سنتين من الجهد الفردي، عاد بمشروع حلم، هو «مسرح سامي حوّاط الريفيّ»، على أرض والده في زبدين. بنى الفضاء بنفسه، وما زال يستكمله، ليستضيف هواة المسرح والموسيقى، وسط الطبيعة الريفيّة لقريته. «حين تشعر بالفراغ، يجب أن تبحث عما يسدّه. ويمكنك أن تتمسك به من أجل الاستمرار، حين تجد له جدوى ومعنى».



5 تواريخ

1956
ولد في قرية زبدين (جبيل/ شمال لبنان)

1973
قدّم أغنيته الأولى «حبيبة قلبي» في الإذاعة اللبنانية من إعداد سعيد الناشف، وفي العام التالي شارك في مسرحيّة «نزل السرور» لزياد الرحباني.

1985
أدّى أغنيات ألبوم «أنا مش كافر» لزياد الرحباني

1990
شارك في فيلم «خارج الحياة» لمارون بغدادي، وبعد عامين أطلق ألبومه الخاص الأوّل «الرأي العام»

2012
قدّم قبل أيام حفلة على «مسرح الأخوين رحباني» (أنطلياس/ شمالي بيروت) يعود ريعها لاستكمال مسرحه الريفي في قريته زبدين.