تتكلّم عمّا أنجزته ببساطة مدهشة... من البديهي بالنسبة إليها أن يلقى المذنب عقابه. هي كالأطفال لا تبالي مثلنا بسياق الجرم وطبيعته، ولا حتى بشخصيّة الجاني ولو كان رأس السلطة نفسه. تطلق الصبية السمراء ابنة الخامسة والعشرين ربيعاً الكثير من النكات، للتخفيف من وطأة تجربتها المؤلمة التي أفجعت مصر قبل أشهر. تقول سميرة ابراهيم إنّ أزمتها أفادتها كثيراً، إذ فقدت 25 كيلوغراماً من وزنها دفعةً واحدةً، ووصلت إلى رشاقة كانت ستكلّفها جهداً أكبر في ظروف أخرى.
تعود النبرة الجادّة لتخيّم على وجه هذه «البتّ الصعيديّة» حين يهنّئها أحدهم على «هزيمة» المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بعدما ربحت قضيّتها المرفوعة ضدّه، بهدف وقف ممارسات الكشف عن عذرية المعتقلات في السجن الحربي. تتأهب للردّ سريعاً: «أنا لسه مش حاسة إنّي انتصرت على المجلس العسكري. حين أرى المسؤول يتحاكم، حينها أكون انتصرت بالفعل. والمسؤول الحقيقي ليس كبش الفداء»، في إشارة إلى متهم آخر في القضية، أي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي.
إصرار الصبيّة الصعيدية على المضي قدماً في مواجهة العسكر، لا يقلّل من قيمة ما أنجزته حتى الآن، إذ استحصلت أخيراً على حكم أمام القضاء الإداري، تضمنت حيثياته إدانةً للقوات المسلحة، بارتكاب أعمال «تنتهك الحرمات، وتفضح الأعراض الواجب سترها، كما أنها تنطوي على إذلال متعمّد، وإهانة مقصودة»، في إشارة إلى الكشف الإجباري عن العذرية، الذي واجهته المعتقلات على يد الضباط.
صدمت شجاعة الشابة النادرة المجتمع المصري المحافظ، المعتاد على ملاحقة الضحيّة بأسئلته أكثر من تعقّب الجاني. خرجت سميرة إبراهيم في مقطع فيديو انتشر على شبكة الإنترنت، روت فيه تفاصيل إجبارها على الخضوع لفحص العذرية على يد ضبّاط السجن الحربي، بعد اعتقالها خلال أحد اعتصامات «ميدان التحرير في آذار (مارس) الماضي. وعلى عكس معظم المراقبين وكتّاب الرأي، لا ترى سميرة نفسها نموذجاً لتحرّر المرأة المصريّة بعد الثورة». «ما قمت به ليس جديداً على نساء مصر. طول عمرهم كده من زمان. المهم أن نقدّم كلّنا نموذجاً ومثالاً للمرأة في العالم العربي، وخصوصاً في الخليج». تقول هذا رغم أنّها كانت من الوجوه التي جذبت بنضالها العديد من النساء للانضمام إلى ميدان التحرير في اعتصاماته المتوالية. حتّى إنّ هناك شابات أخبرنها أنّهن لم يأتين إلى الميدان من أقاليمهنّ الريفيّة، إلّا بعدما اطمأننّ لوجودها
فيه.
ابنة سوهاج في صعيد مصر ـــ حيث ما زال يحظّر على النساء في بعض المناطق الخروج من المنزل أو حتى كشف الوجه ــــ ما زالت تتعثّر في شوارع القاهرة، العاصمة نصف الأوروبيّة التي يسكنها المراسلون الأجانب ومشاهير الفن والأدب، لكنَّ روحها تبدو أكثر تحرّراً من معظم بنات المدينة. «لبست الحجاب بمزاجي بس هاخلعه لو الاخوان أو السلفيين وصلوا الحكم وفرضوه، نكاية فيهم»، تقول لـ«الأخبار» في جلسة صباحية ممتعة، جمعتنا في مقهى شهير في وسط القاهرة. ابنة البيت المحافظ، لا تخفي معارضتها لسياسة أكبر جماعة محافظة في مصر، أي «جماعة الإخوان المسلمين»، التي حظيت ذراعها السياسية «حزب العدالة والحرية»، بعدد قياسي من المقاعد البرلمانية في المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات التشريعية. «لقاؤهم خلال أيام الثورة بعمر سليمان (نائب رئيس الجمهورية المخلوع والرئيس السابق للمخابرات العامة)، وصمة عار، قبلوها في مقابل إسقاط كلمة «محظورة»»، تقول في إشارة إلى الوصف الذي كنّيت به الجماعة «الخارجة عن القانون» في عهد نظام مبارك.
ما يلفت بحقّ في شخصية سميرة ابراهيم، أنّها تقدم نموذجاً عن بطولة الإنسان العادي. كأنّ زمن الثورة يبعث المصريين من جديد، اليوم تلو الآخر... سميرة ليست كسابقاتها من رائدات تحرُّر المرأة المصريات في أوائل القرن الماضي. ليست مثل هدى شعراوي ابنة الأرستقراطية بامتياز، وزوجة علي شعراوي، أحد رموز حزب «الوفد»، وابنة محمد سلطان باشا، رئيس مجلس النواب المصري الأول في عهد الخديوي توفيق. وليست مثل صفية زغلول ابنة مصطفى فهمي باشا، أحد أوائل رؤساء الحكومة في مصر مطلع القرن التاسع عشر. سميرة ليست مثل كلّ هؤلاء... بل هي ابنة مقاول بناء في الصعيد الفقير، تحتاج إلى العمل لتكسب عيشها، كأي شابّة تقابلها في حافلة وسط الزحام، لكنّها اختارت أن تفقد وظيفتين، الواحدة تلو الأخرى، بسبب نشاطها السياسي، ومقاضاتها للمجلس العسكري رغم أنَّ معدَّلات البطالة في مصر تقترب وفقاً لأحدث البيانات الحكومية من 12 في المئة، مما يجعل الحصول على وظيفة فرصةً
ذهبية.
سميرة إبراهيم ليست ناشطة نسوية أصلاً، بل واحدة من قيادات «25 يناير» الشابة. وهي واحدة من أولئك الذين اختاروا مواصلة طريق الثورة إلى منتهاه، لا يسمحون بأن تعترض قطاره أحداث عارضة «حتى لو كانت الانتخابات البرلمانية نفسها». رفضت ابراهيم الترشح للمجلس النيابي، رغم عروض كثيرة تلقّتها للانضمام إلى قوائم انتخابية حزبية، كما اختارت مقاطعة الانتخابات ـــ وهو خيار أقصى اليسار ـــ بعد مذبحة شارع محمد محمود في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي التي راح ضحيتها عشرات الشهداء. وأيضاً رفضت عروضاً للحوار مع أعضاء في المجلس العسكري، وتعويضاً وصل إلى مليوني جنيه مصري (نحو 330 ألف دولار أميركي) مقابل الصمت فقط.
رغم صغر سنّها، إلا أنّ علاقة إبراهيم بالسياسة ليست حديثة العهد. «كانت أوّل علاقتي بالسياسة وأنا في الخامسة عشرة، حين كتبت موضوع إنشاء ضد الجيوش العربية. استدعاني جهاز أمن الدولة، وحقّق معي، واعتقلت لأيام، خرجت بعدها وأنا حاطّاهم في دماغي». تضيف باسمةً إنّها صارت تتسلّل ليلاً، لتلصق على جدران ديوان عام المحافظة، والمدارس، وأقسام الشرطة، أوراقاً تحمل شعارات معادية لمبارك، ونجله جمال، وجهاز أمن الدولة، ووزارة الداخلية، في وقائع هزّ اكتشافها مدينة سوهاج، وحيّرت الشرطة طويلاً. راحت تلقي القبض على ناشطين، وصحافيين، ومحامين، تحمّلهم مسؤولية تلك الملصقات، ثمّ تعيد الإفراج عنهم، إلى أن ضبطها أحد عملاء الشرطة يوماً «متلبّسة بالجرم المشهود». اقتادوها مجدداً إلى أمن الدولة، حيث جرى التحقيق مع ابنة السادسة عشرة شهراً كاملاً، أمضته وحدها، بين القضبان، قبل أن تحال على النيابة العامة بتهم عديدة تمّت تبرئتها منها لاحقاً، ومنها «تكدير السلم العام، وإثارة الفزع بين المواطنين». تضحك كثيراً وهي تتذكّر التهمة الأخيرة، وتقول وشيء من الفخر يكتسي نبرتها: «أنا أثرت الفزع بين المواطنين...
تخيّلي!».




5 تواريخ

1986
الولادة في مدينة سوهاج في الصعيد المصري

2001
ألقى جهاز مباحث أمن الدولة القبض عليها بعدما كتبت موضوع إنشاء تهاجم فيه الجيوش العربية

2002
اعتقلها الجهاز نفسه مرّة ثانية، بعدما وزّعت ملصقات مناهضة للنظام الحاكم على جدران مدينتها

مارس 2011
اعتقلها الجيش المصري وأجبرها على إجراء كشف على العذرية

ديسمبر 2011
حصلت على حكم من القضاء الإداري بإلغاء إجراء كشوف العذرية على المعتقلات في السجن الحربي