بعدَ زمنٍ ليس بالبعيدِ جدّاً، ولا بالقريبِ جدّاً، سننتهي مِن هذه الحرب، أو تنتهي منّا هذه الحرب...
ويبدأُ الشعراءُ والقتَلَةُ المتقاعدون
بامتداحِ العقلِ، والتَغَنّي بمحاسِنِ المغفرةْ.
بعدَ زمنٍ ما...؛
لا أحدَ سيُسعِدُهُ تَذَكُّرُ الماضي (الماضي صُنِعَ للنسيان).
وحدهم المؤرِّخون البواسل (لأنهم مَصْيوتون بالأمانةِ, وتَوَخّي الدقّةِ في الأرقام)
سيتذكّرون... ويَذكرون أعدادَ القتلى:
400 ألف إنسان.
400 ألف قلب (لا أحدَ سيتذكّرُ القلوبَ التي شطَرَها الحزن).
800 ألف عين (لا أحدَ سيتذكّرُ الأعينَ التي فاضَ منها الدمع. وأصلاً: لن تكون الدموعُ صالحةً للتَذَكُّر).
400 ألف عنقٍ ورأسٍ ومستودعِ ذكريات.
400 ألف حكايةْ.
400 ألف روح منطفئةْ.
400 ألف ميّت...
يعني: 400 ألف «لا أحد».
ونحن أيضاً (نحن الذين سنقرأ ما كتبهُ المؤرّخون) سنقولُ شيئاً شبيهاً (شيئاً أقلّ أو أكثرَ سفاهةً وقبحاً):
هؤلاء الموتى (هؤلاء الـ 400 ألف «لا أحد») لم يكونوا أبناءَنا، ولا إخوتَنا، ولا أحفادَنا.
وطبعاً: لم يكونوا «نحن».
كلُّ ما يمكنُ أنْ نفعله:
نَبتهجُ بوقوعِ السلامْ
ونُهلِّلُ لصانعي السلامْ
ونَتَنفّسُ، على أكثر مِن مَهل, هواءَ السلامْ.
أمّا الرقم 400 ألف
فلربّما سيكون صالحاً، فيما بعد، للاستخدامِ في واحدٍ من موضوعاتِ مادّةِ الإنشاءِ المدرسيّةِ التي تتحدّثُ عن «الماضي»...
الماضي الذي سيكونُ حاضراً على الدوام... في كتابِ «المستقبل».
.. .. ..
صانعو السلام (صانعو الحرب) يطلبون منّا دائماً أنْ ننسى.
لهذا: لا بدّ من التَدَرُّبِ على النسيان.
لهذا: لابدّ من النسيان.
الحروبُ تَطلبُ النسيان.
والسلامُ يحتاجُ إلى النسيان.
والذين لم يَكونوا مِن بين الـ 400 ألف، وليسوا من ذوي الـ 400 ألف, سيَسهلُ عليهم النسيان.
لهذا (تَذكّروا!) لهذا فقط
ستكونُ الحروبُ القادمةُ أكثرَ سهولةً، وأَشدَّ هولاً.
وسيكونُ علينا، منذ الآن،
أنْ ننتظرَ أنباءَ الـ «أربع مئات» الآلافِ الأخرى... التي تنتظرُ إضافتَها إلى الملحَق.
فقط, علينا أنْ نُهيِّئَ الدفاتر:
نترك، في منتصفِ هذا السطرِ أو ذاك،
الفراغَ الكافي لاستيعابِ أعدادِ القتلى
ونَتَسلّح بما يلزمُ مِن «الأصفارِ» الإضافيّة.
20/1/2016