في اللحظات المصيرية من عمر الأمم، تكون الخيارات محدودة، إما أن يقف المرء مع الدولة الباقية بمعناها الشامل، أو مع النظام المتغير على نحو كبير. خلال زيارة الأيّام الخمسة التي قام بها الملك السعودي سلمان بن العزيز إلى القاهرة، كان إعلام المحروسة أمام اختبار جديد: هل هو مع الدولة أم مع النظام؟
بعد ثورة 25 يناير 2011، بدأ الخلط في الإعلام، عمداً أحياناً وجهلاً في أحيان أخرى، بين مفهومي الدولة والنظام، وزاد هذا الخلط على نحو كبير بعد "30 يونيو" 2013 وسقوط حكم الإخوان. يومها، اعتمد الإعلام خطاباً يفيد بأنّ الجيش تحرّك «حفاظاً على الدولة المصرية، لا لرغبة في الحكم، ولا إنقلاباً على الشرعية الديمقراطية». غير أنّ كل هذا تبدّد في الأيام الخمسة الماضية، مع الإعلان عن إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وإقرار النظام المصري بتبعية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة. في تلك القضية المصيرية بالنسبة إلى مصر والمتعلقة بالسيادة الوطنية، انكشف هؤلاء الذي يدّعون دائماً وقوفهم بجوار الدولة لا النظام. بدا واضحاً أنّ غالبية الإعلاميين المصريين موظفون لدى النظام ومنبطحون أمام الرعاية السعودية التي يحلمون بها، إلى درجة أنّ رئيس تحرير جريدة بحجم «الأهرام»، محمد عبدالهادي علام، قال خلال اجتماع لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير بالإعلاميين المصريين، إنّه شخصياً لديه الوثائق التي «تثبت ملكية السعودية لجزيرتي تيران وصنافير»!
ووسط هذه الحالة الإنبطاحية التي باتت سمة من سمات الإعلام المصري، خرجت بعض الأصوات لتؤكد أنّها مع الدولة دائماً والنظام أحياناً، أبرزها للإعلاميين إبراهيم عيسى (القاهرة والناس)، ويوسف الحسيني (ONTV)، ووائل الإبراشي (دريم).
الثلاثة اتخذوا موقفاً واضحاً رافضاً للاتفاقية، مشيرين إلى أنّ ما أقدمت عليه الحكومة «استهانة» بالشعب المصري، وأضاف الإبراشي في برنامجه «العاشرة مساءً»: «درست إن الجزيرة دي مصرية في المناهج. هل الحل الآن هو إنّي أمزق كتب المدرسة؟!». الإبراشي الذي يعد واحداً من مؤيدي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والمدافعين عنه، واصل هجومه على القرار وسأل: «كيف للحكومة المصرية أن تستهين بالشعب المصري، وفي ليلة وضحاها، نجد أن الجزيرتين أصبحتا ملكاً للسعودية»، مضيفاً بصدمة: «لقد حاربنا لاسترداد الجزيرتين، وأهرقت لأجلهما الدماء، فكيف أصبحتا سعوديتين؟». واستعان الإبراشي في برنامجه بخبراء ومسؤولين سابقين في القوات المسلحة للتأكيد على أنّ الجزيرتين مصريتان ولا يحق التنازل عنهما للسعودية.
من جهته، هاجم يوسف الحسيني المعروف بقربه من الرئيس قرار التنازل عن الجزيرتين، وعرض في برنامجه «السادة المحترمون» وثائق تؤكد مصرية الجزيرتين، وهو الموقف نفسه الذي اتخذه في برنامجه الإذاعي على راديو «نجوم إف إم»، قائلاً: «الجزيرتان ملك لمصر قبل إنشاء السعودية». وأضاف أنّ هناك «ناس شغلتهم في الحياة مبرّراتيّ، وهيموتوا على كده. إحنا مش عايزين نبوّظ علاقتنا مع السعودية إحنا بس عايزين نفهم أمته الجزر دول تبع المملكة». ووجه الحسيني حديثه للرئيس: «الرئيس عبد الفتاح السيسى لازم يرجع عن موقفه، أنا لا أشكك في مواقفه ولا وطنيته، ولكن مش معقولة أنام وأصحى ألاقي جزيرتين تبع مصر بقوا في السعودية»!
الهجوم الأقسى جاء من قبل إبراهيم عيسى صاحب المواقف المعلنة التي ترى أنّ المملكة سبب رئيسي في نشر التطرّف في العالم. هاجم عيسى النظام المصري بشدّة بخصوص التنازل عن الجزيرتين، والاستقبال المبالغ فيه للملك والوفد المرافق له، مشيراً الى أنّ ما حدث أثبت «تسليم الدولة المصرية نفسها للسعودية». وأشار إلى أنّ الزيارة كانت إعلان تنازل مصر «عن الريادة، فيما تحوّلت مكانتها من القيادة إلى المبايعة»، واصفاً ما أقدم عليه بالـ «مخزٍ». وفضح عيسى بعض زملائه، قائلاً: «جميع الخرائط المصرية والمناهج الدراسية وتلفزيون الدولة وحتى الإعلاميين اللي قالوا إن الجزيرتين سعوديتين كانوا عارفين إن الجزيرتين مصريتين».