عكا | غابة في مكان مجهول. شخص يركض هارباً من «مجهول» أيضاً لا نرى سوى وجهه المرعوب ولا نسمع سوى لهاثه. على مدار 3 دقائق و25 ثانية، لا يفعل الشخص (محمد حاج داوود) شيئاً سوى الهرب والتلفّت حوله خائفاً، إلى أن يُمسك حبل برجله ويشدّه إلى الخلف، وهو غير قادر على المقاومة، رغم تمسّكه بالحجارة والأعشاب على الأرض. وتبقى الحال كما هي إلى أن ينتهي الفيلم القصير برسالة مفادها: «لا تخليهم يسحبوك! خليك صاحي. خلي إجريك ع الأرض. إنت عايش هون! اتحرك. قاوم. برافر لنّ يمر!». لم يمرّ الكثير من الوقت بين تفكير الفنان الفلسطيني محمد حاج داوود بموضوع الفيديو (5 دقائق تقريباً) وتنفيذه مع صديقه المصوّر محمد جبارين من مدينة أم الفحم (قرب جنين). مساء الأحد الماضي، اجتمع الاثنان لترتيب مخطط العمل. وفي صباح اليوم التالي، عند السادسة صباحاً، استيقظا وحملا كاميرا واحدة ومضيا باتجاه غابة صغيرة في مدينتهما، المكان الأفضل لاحتضان فكرة محورها الرعب والوحدة والظلام. صوّر الثنائي الفيلم القصير الصامت وباشرا فوراً المونتاج، قبل أن ينشراه أمس على يوتيوب تحت عنوان «برافر لن يمر».
ينقل الفيلم حالة رعب وهروب تتجسّد في هروب شخص مجهول باتجاه غير معروف أيضاً، كل ذلك وسط صمت تام وبرفقة موسيقى. الرعب الظاهر على وجه الهارب يثير نوعاً من البلبلة المقصودة من رسالة الفيلم. بداية، نصطدم بهروب «سلبي» نوعاً ما، إلا أنّه سرعان ما يتغيّر هذا الإحساس حين تُمسك رجل الشخص ويُشد إلى الخلف ومن ثم يقع في حفرة. هنا، يصبح مفهوم «الهروب» إيجابياً إلى حد ما، كأنّه دعوة إلى الإفلات من «سطحية الحياة» التي تشتت التركيز على القضايا الجوهرية، ودعوة إلى المقاومة والبحث عن أسباب اللامبالاة والتجاهل «الذي أصابنا»، وعدم تحركنا باتجاه مصيرنا ومستقبلنا، وإلا فسنسحب جميعاً ونقع في «الحفرة».
أعمال فنّية عديدة تظهر في هذه الفترة وتُنشر بالتوازي مع تصعيد الحراك الفلسطيني ضد مخطط برافر الذي يهدف إلى تطهير عرقي ونكبة جديدة في النقب الفلسطيني. ومن بين هذه الأعمال، مقاطع فيديو تحمل معلومات عن المخطط، وأفلام قصيرة، وأغنيات، وصور، وملصقات، تهدف إلى التشجيع على المشاركة في التظاهرات المركزية غداً. «السياسة والفن يعملان بالتوازي لأنّهما مرتبطان. وقد تكون ميزة الصورة أو اللوحة أنّها تصل أسرع من الكلمة والمنشور. وهو ما يؤكد قُرب الفنّ من الناس»، يقول محمد حاج داوود لـ«الأخبار». وأضاف: «نحن قادرون على إنتاج أي عمل فني جيّد بلا ميزانية كبيرة. الحاجة هي إلى العمل فقط»، لافتاً إلى أنّ «الفكرة جاءت من حبّنا للنشاط والعمل ولوطننا وللفن. وقع الاختيار على فيلم قصير صامت، لكي يفهمه كلّ الناس وتصل الرسالة إليهم جميعاً».