تونس | حصول السينمائي التونسي عبد اللطيف قشيش (1960) على «السعفة الذهبية» في «مهرجان كان السينمائي» الأخير ليس حدثاً عادياً، لكنّه لم يحظ بالحفاوة الرسمية في بلده الأم في ظل حكومة يقودها الإسلاميون! هكذا بدت الأجواء في الأوساط الثقافية التونسية بداية الأسبوع بعد فوز قشيش بأرفع جائزة في الدورة الـ66 عن فيلمه «حياة أديل». الشريط وصفه رئيس لجنة التحكيم السينمائي ستيفن سبيلبرغ بأنّه «قصة حب رائعة»، مدافعاً عن مشاهد الجنس بين فتاتين مثليتين تجمعهما قصة حب عاصفة. تتويج الشريط أشعل «حرباً» إلكترونية على فايسبوك بين أنصار «حركة النهضة» من جهة، وأنصار المعارضة من مثقفين وجامعيين ونقابيين وناشطين حقوقيين وسياسيين من جهة أخرى، فيما رأى السينمائيون والمبدعون أنّ الإنجاز الذي حقّقه قشيش تتويج لـ«تونس التنوير والحداثة، ولسينمائييها»، رأى الموالون للنظام أنّ الأمر لا يعني تونس ما دام «المخرج يحمل الجنسية الفرنسية، والشركة المنتجة فرنسية، كما أنّ المشاركة كانت باسم فرنسا، فضلاً عن أنّ موضوعه يمسّ الحياء ويروّج للشذوذ الجنسي»، وفق ما جاء في بعض التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي. ورأى المعارضون للشريط أنّ «احتفاء الحداثيين بهذا الفوز دليل على ارتباطهم الروحي بالاستعمار، وهو سر عدائهم للحكومة».وقال الصحافي جمال بوريقة في تصريح لـ راديو «كلمة» إنّ «الفيلم يتضمّن استفزازاً، وهو لا يعبّر عن الواقع العربي الاسلامي». وأضاف إنّه «يرى فيه جانباً سياسياً بالنظر إلى ما تثيره مسألة زواج المثليين من جدل محتدم في فرنسا»، وفق ما نقلت وكالة «رويترز». ونشرت الصحف التونسية خبر فوز قشيش، لكنها لم تفرد له مساحات خاصة، ولم تشد بالفيلم، مع أنّه ثاني سينمائي عربي يفوز بالسعفة منذ المعلم الجزائري محمد لخضر حامينا عام 1975 (فيلمه «وقائع سنوات الجمر»).
لم يكن أنصار «النهضة» وحدهم من سجّلوا مواقف مستنكرة. اكتفت وزارة الثقافة التونسية ببرقية تهنئة لـ«المخرج الفرنسي من أصل تونسي» جاء فيها أنّ الوزارة ترجو أن «تفتح هذه الجائزة آفاقاً للسينمائين التونسيين والتقنيين الذين عملوا في هذا الشريط»، لكن المعركة الأهم التي يُتوقع أن تبدأ في الخريف المقبل هي طرح الفيلم في الصالات القليلة الباقية في تونس. فقد بدأ «التجييش» على الفايسبوك لمنع عرضه في البلاد، لكن من المستبعد أن تخضع وزارة الثقافة لهذه الضغوط، وسط استعداد القوى الديمقراطية لتحويل هذه «المعركة» ــ إذا فرضت عليها ــ إلى معركة حرية تعبير وإبداع، وهي ما تتهم «النهضة» باستهدافها.