«سرّحت المؤسسة التي أعمل فيها عدداً من الموظفين بسبب أزمة مالية عامة، ثم اقتطعت من الرواتب وقلّصت من المصاريف. باتت زيارات مدقق الوظائف مكثفة وتقاريره «الحمراء» تشير الى أدنى كسل وظيفي يسجّل، فيطرد المتكاسل. المدير يسائل ورئيس التحرير يسائل وقسم التسويق يسائل والإعلانات تتراجع.الجامعات تخرّج طلاباً متحمسين ينكبّون على العمل برواتب قليلة، والانترنت في خدمتهم متى أرادوا، لا حاجة إلى مراكمة الخبرات والثقافة العامة لتحرير خبر.

مواقع التواصل الإلكتروني هنا تصلك بواشنطن وسيول وباريس لحظة بلحظة، لا حاجة إلى مراسلين خارجيين. المعيشة ازدادت غلاءً والرواتب انخفضت. لا كاميرات جديدة للمصوّرين الصحافيين. المنافسة على أشدّها داخل المؤسسة الواحدة وبين الصحف. المبيعات الى تراجع و«الزبائن» هم «قرّاء الإلكتروني المجّاني». مستقبل المطبوعات مجهول تماماً والتغييرات السريعة ضرورية، لكن «التفجيرات والثورات والخطف والاستقالات وإعلان الحروب والفضائح السياسية والأعاصير... مستمرة. الأحداث تصاعدية والضغوط النفسية تتفاقم والجريدة يجب أن تقفل باكراً كي لا تتأخر في التوزيع فتخسر المزيد من الأموال»... تلك هي المشاكل التي يعانيها مجمل الصحافيين حول العالم. وتلك هي هموم تختصر الحالة النفسية اليومية التي يعيشها معظم المحررين والصحافيين في المطبوعات. ولكل تلك الأسباب انتخبت الصحافة المكتوبة أخيراً «أسوأ وظيفة في العالم».
بات الأمرّ مثبتاً في دراسة علمية. من بين 200 وظيفة خاصة وعامة، حلّ «المحرر الصحافي في جريدة» أسوأ موظّف من حيث طبيعة عمله وظروفه (التعب الجسدي، التوتر النفسي، المنافسة، الأزمة المالية).
رصدت شركة «كارير كاست» ظروف عمل مئات الوظائف وعادت بتقريرها الدوري الذي حلّ فيه المحررون الصحافيون في المرتبة الـ 200 في أسفل سلّم الترتيب، أي أسوئها. هكذا، صنّف عمل صحافيي المطبوعات أسوأ من عمل الجندي في الجيش. وتشارك المحررون «بؤسهم» مع الحطّابين والممثلين وعاملي النفط، محتلين آخر درجات الترتيب أيضاً.
الإنهاك الجسدي، والضغوط النفسية اليومية وأحياناً الآنية تعدّ من «مسلّمات» مهنة المتاعب وفق ما أفادت الدراسة، لكن الأزمة المالية ومنافسة الانترنت والانتقال الى عصر «المواطن الصحافي» باتت كلها تهدّد وجود الصحافيين بحدّ ذاته، وهذا ما حوّل مهنتهم الى كابوس. واندثرت أحلام السفر لتغطية الأحداث العالمية، بعدما بات السبق الصحافي ينشر على مواقع التواصل الالكتروني قبل أن يتوجه الى الطباعة حتى! من احتلّ أفضل الوظائف إذاً حسب الدراسة؟ الخبير في شؤون التأمين حلّ في المرتبة الأولى، والمخطط المالي في المرتبة الخامسة، والمعالج الفيزيائي في المرتبة التاسعة، وأستاذ الجامعة في المرتبة الـ24، والمعالج النفسي في المرتبة الـ37، والجرّاح في المرتبة الـ51، والسمكري في المرتبة الـ66.