في اللحظة التي انتقلت فيها الأقمار الصناعية إلى البثّ من سوريا، وما إن تناهى صوت عريفة «الحفل الموسيقي الدولي الأول لكورال السنونو» الفلسطيني قائلة: «من سوريا الجريحة، من صيدنايا، نقدم لكم أطفال مخيم اليرموك»، حتى سرت قشعريرة في الحضور هنا بمسرح بابل في بيروت الممتلئ عن بكرة أبيه. لا أعرف من أين أتت كل تلك الدموع، كأنها تجمعت منذ بدء المأساة السورية. المرأة إلى جانبي بكت ووجدت نفسي أبكي معها دون كلمة.
كان الحفل قد بدأ للتو، دون أن يبدأ فعلاً. أي إن بث الأقمار الصناعية كان قد تأخر. «الولاد حايصين مع إنو شربوهم وفوتوهم ع الحمام قبل ما يطلعوا المسرح»، تهمس السيدة إلى جانبي لحضور الحدث الموسيقي الأبرز فلسطينياً منذ زمن طويل: 700 طفل وطفلة من مخيمات لبنان وسوريا والأردن والضفة وغزة، سيغنون جميعاً ومعاً عبر الأقمار الصناعية «بصوت فلسطيني واحد»، في نشاط دام الإعداد له 3 سنوات برعاية وتمويل جمعية «روستروبوفيتش - فيشنفسكايا» التي أنشاتها عازفة البيانو إيلينا ابنة عازف الكمان الشهير ميتسلاف روستروبوفيتش ومغنية الأوبرا غالينا فيشنفسكايا. الأطفال السبعون الذين تراوح أعمارهم بين 4 و13 سنة، اصطفوا على المسرح بلباس موحد. «دقائق ومنكون ع الهوا»، تقول لينا الغول منسقة النشاط. تدب الحياة في الشاشة الكبيرة التي تقاسمتها أربع مربعات: من بيت لحم، عمان، صيدنايا، وغزة. تضحك لكثرة الأطفال المشاركين من غزة الكثيفة سكانياً. ربما كانوا 400 من أصل 700. يرتفع صوت إيلينا من بيت لحم، تقف إلى جانبها ريم تلحمي، ومترجمة. تقول بلهجتها الروسية: «تعلمت في أحضان عائلة موسيقية، لذا أؤمن بأن الموسيقى لو أدخلت في المناهج التربوية فستدرب الأطفال على شيئين: التفكير التحليلي وحسن التعبير»، ثم تصيح: «نريد أن يصل صوت فلسطين». تقف القاعة مصفقة. زياد الرحباني الذي كان موجوداً بدعوة من المنظمين الذين استشاروه في تفاصيل النشاط، يقف مصفقاً بدوره ثم يجلس وهو يقول: «لحظة فظيعة». مضيفاً: «بالوقت اللي الأردن ما بيحكي مع سوريا وغزة ورام الله أبصر كيف، ووضع لبنان وسوريا.. ليكي بشو مجموعين.. فظيعة». يبدأ البث من أطفال بيروت، الذين غنوا لفيروز «تك تك تك يا ام سليمان». في الكورال صبيان وبنات، لكن لم يكن هناك فرق فعلي بين أصواتهما لأنهم ما زالوا أطفالاً. «والآن سننتقل إلى سوريا البطلة من صيدنايا أطفال مخيم اليرموك». يدندن عود بلحن شرقي صميم، فيما بدأ الأطفال بغناء «ستي الها توب وشال/ وع الشال مطرز غزال». يذكّر اللحن الفولكلوري التراثي الفلسطيني بأغنية فيروز «امي نامت ع بكير». تنتقل الأقمار إلى عمان التي غنى أطفالها «بلاد العرب أوطاني»، فبيت لحم التي غنت «عصفور طل من الشباك» لمارسيل خليفة مع المغنية أميمة الخليل التي كانت ضيفة حفل بيروت. ثم انتقل البث إلى غزة التي غنى أولادها «وين ع رام الله». ثم «حانت اللحظة الأعظم: الآن ستتحد كل الكورالات لتغني بصوت فلسطيني واحد». تنساب موسيقى «نسم علينا الهوا». يقف الجمهور مصفقاً مغنياً مع الكورس الرائع في الشاشات جميعاً، وهنا في بيروت «فزعانة يا قلبي/ تكبر بهالغربة/ وما تعرفني بلادي/ خدني.. خدني على بلادي».