الرباط | شاءت الأقدار أن يرحل عن المغرب اسمان شقّا الطريق أمام حداثة جنسين تعبيريين مختلفين. الشاعر محمد الصباغ (1930)، ورسام القصص المصورة عبد العزيز مريد (الصورة). ترك رحيل الصباغ صدى عربياًَ، فيما كان مريد أشهر في فرنسا وأوروبا بسبب رسمه قصصاً مصورة تعكس حياة المعتقلين السياسيين إبان ما يسمى «سنوات الرصاص» في المغرب حيث اعتُقل لسنوات. رحل الصباغ في أحد مستشفيات الرباط بعد معاناة مع مرض عضال. ولد الراحل في مدينة تطوان الملقبة بعروس الشمال. في شبابه، اطلع على الأدب المهجري الذي طبع تجربته الشعرية الأولى، قبل أن يسهم في التأسيس للقصيدة المغربية الحديثة. درس الصباغ علم المكتبات في إسبانيا، وبعد عودته إلى المغرب راكم العديد من التجارب في المجال. وكان الصباغ من المبادرين إلى تأسيس «اتحاد كتاب المغرب»، وعمل مستشاراً لوزير الثقافة ومديراً لأقسام عدة في مؤسسات وزارية مختلفة. العمل لم يشغله عن كتابة الشعر والتأليف، فانخرط في الحياة الثقافية وأصدر دواوين عدة منذ 1953، كـ«العبير الملتهب» (1953)، و«أنا والقمر» (1956)، و«فوارة الظمأ» (1961)، و«شجرة محار» (1977). وألف أيضاً مجموعة قصصية بعنوان «نقطة نظام» (1970) حاز عنها «جائزة المغرب للكتاب».

ترجم الراحل عن الأدب الإسباني، وكان ممن شكلوا جسر عبور لأدب الجار الإيبري إلى المغرب، ما قاده إلى الحصول على وسام الاستحقاق الفكري الإسباني عام 1986. الملك محمد السادس الذي تكفّل بمصاريف علاجه حين استبد به المرض، أرسل تعزية لعائلة الشاعر الراحل. وصفه فيها بـ«أحد أبرز رجالات الأدب الذين أسهموا في إثراء المكتبة الوطنية بعطاءاتهم المتميزة والمتنوعة». أما المعتقل السياسي عبد عزيز مريد، فقد رحل بصمت من دون أن ينال «الحظوة» الملكية. كان مريد من مؤسسي «حركة 23 مارس» الثورية في ستينيات القرن الماضي. خلال أحداث 25 آذار (مارس) عام 1965 الدموية، اكتشف وهو في الـ 15 من عمره السياسة في الشارع. تشبّع بالفكر الماركسي وبحب الأدب في طفولته، لكنه اعتقل في 1974 وحكم عليه بالسجن 22 عاماً ليطلق سراحه بعد عشر سنوات. كان مريد وديعاً وطيّباً، لكنه لم يكن مهادناً. خلال الاعتقال، نسج علاقات قوية مع رفاقه، غير أنّه سرعان ما راجع حساباته بعد اكتشاف محدودية الإيديولوجيا أمام الواقع.
خلف القضبان، طوّر معرفته بالقصص المصورة، وأطلق عليه لقب «أبو القصة المصورة المغربية». في «إنهم يجوّعون الجرذان»، يحكي قصص المعتقل التي أثارت حماسة ماري لويز بلعربي، مؤسسة «دار طارق» التي أصدرت له كتابه الأوّل، وصارت لاحقاً تعنى بنشر أدب السجون الذي يحكي سنوات الرصاص.
عمل مريد في الصحافة بعد خروجه من السجن، مراكماً القصص المصورة، وبقي حتى أيّامه الأخيرة يدرِّس، ويكتب، وناصر«20 فبراير» حين انطلق حراك الشارع المغربي قبل عامين. يومها، آمن بأنّ «البلاد العربية لم تعد تريد الاستبداد»، وبأنّ كلمتي «الحرية والكرامة تلخّصان كل شيء».