«ريثما يملكُ الأُسوْد مؤرّخيهم، سيبقى تاريخ الصيد يُمجّد الصياد»، بهذا المثل اختصر الروائي النيجيري تشينوا أتشيبي (1930ــــ 2013، الصورة) قراره بأن يصير كاتباً. «أبو الأدب الأفريقي الحديث» كما لُقّب، رحل قبل يومين عن 82 عاماً في أحد مستشفيات بوسطن الأميركية حيث عاش سنوات. ولد في شرقي نيجيريا لأبوين طافا في أراضي شعب الـ Igbo مدة 35 سنة للتبشير بـ«الكتاب المُقدس». درس الإنكليزية والتاريخ والدين في جامعة «إِبادان» التي أنشأها الإنكليز في السنوات الأخيرة من استعمارهم نيجيريا. حبكاتُ أعمالهِ ستتوتر من الصراع بين القديم والحديث في مجتمعه، بين آلهة أجداده الوثنية ومسيحية أبويه. تلك الآلهة التي تداعت، حين ظهر الرجل الأبيض المُستعمِر بجنوده ومُبشّريه، لتتداعى معه حياة مجتمع بأكمله. هكذا سيكتب روايته الأولى «أشياء تتداعى» (1958)، و«لم يعد مطمئناً» (1960)، و«سهم الرب» (1964)، و«ابن الشعب» (1966)، و«كثبان السفانا» (1987). لكنّ «أشياء تتداعى» التي اقتبسَ عنوانها من قصيدة للشاعر الايرلندي ويليام بتلر ييتس، ستبقى الأكثر شعبيةً من بين أعماله، إذ باعت أكثر من 10 ملايين نسخة في 50 لغة مختلفة.
الرواية التي تدور أحداثها في أواخر القرن التاسع عشر في منطقة متخيّلة من تسع قرى يسكنها شعب «الإيغبو»، ستصير من كلاسيكيات «أدب ما بعد الاستعمار» إلى جانب «أطفال منتصف الليل» لسلمان رشدي، و«موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح. أما بطلها أُوكونكوو ذلك المصارع الذي يُقدّس آلهته، ويعيش مع زوجاته وأبنائه من زراعة محصول «اليام»، ويحترم شيوخ القبيلة وتقاليدها، فإنه سيغدو مثالاً على ذلك المُستعمَر المُفرط بطيبته وسذاجته الإنسانية، حين يُعطي الرجل الأبيض أرضاً ملعونة من قِبل الآلهة ليبني عليها كنيسته. لكنه أيضاً المُستعمَر المشبوب بكبريائه. فهو يمسح سيفه بالرمل ليقاتل وحده ضد مُبشّري وجنود «الرجل الأبيض» وشرطته ومحكمته الذين راحوا يُحطّون بعنفٍ عالمه، قبل أن يشنق نفسه حين رفضت قبيلته أن تحارب معه، وحين خذلته آلهته.
أتشيبي الذي لزِمَ مقعداً متحركاً بعد حادث سير عام 1990، كتب الشعر والنقد وقصص الأطفال، وخاض معاركَ ثقافية أشهرها تلك التي بدأت بنقده اللاذع للروائي الكولونيالي جوزيف كونراد صاحب رواية «قلب الظلام» الذي وصفه أتشيبي بأنه «كان عرقياً عنصرياً سلخ عن سكان إفريقيا الأصليين إنسانيّتهم سلخاً تاماً». حين أرسل أتشيبي المخطوطة الوحيدة لروايته «أشياء تتداعى» إلى وكالة متخصصة بالطباعة على الآلة الكاتبة في بريطانيا، لم يتلقّ النسخة المطبوعة طوال أشهرٍ حتى نحُل من الحزن على روايته التي كادت أن تضيع، لمجرد أنّ صاحبها شابٌ من «قلب الظلام». قرأ في صغره كتب المغامرات حيث «الرجل الأبيض» هو «الذكي» الذي يحارب أولئك «البرابرة» والـ«وحوش». لم يطل الأمر بأتشيبي حتى «وضع يده على المحراث»، فبدأ ذلك العالم المليء بالوجوه والأقنعة البيضاء بالتداعي.