تونس | بالأمس نشرنا قصيدة للزعيم السياسي التونسي الشهيد شكري بلعيد (1964 - 2013) عام 1987 في رثاء المفكّر الشهيد حسين مروة (1910 – 17/ فبراير1987). لم يكن بلعيد يعرف أنّه سيلاقي المصير نفسه بعد 26 عاماً، ولم يكد يدشّن النصب التذكاري تحيّة لاستشهاده، حتى امتدت إليه يد الغدر وحطّمته في جنح الظلام.
التمثال شيّده فنانون إحياءً لذكرى المعارض اليساري (49 عاماً) في مكان اغتياله في منطقة «المنزه السادس» وسط العاصمة التونسية. لم يكن زعيم تيار «الوطنيون الديمقراطيون» شكري بلعيد مجرّد رجل سياسي، بل وجهاً ثقافياً بارزاً وشاعراً متكتماً على قصائده وكلماته، وعاشقاً للفن. وهذا ما جعل اغتياله في السادس من الشهر الحالي فاجعة وطنية، قبل أن تسارع وزارة الثقافة للاستجابة إلى طلبات المثقفين وإطلاق اسمه على «دار الثقافة جبل الجلود» التي عاش فيها طفولته وشبابه، لتصبح رسمياً «دار الثقافة شكري بلعيد».
الفاجعة ما زالت مستمرة لكن بسريالية أكبر. بعدما تنادى الأصدقاء والمحبون يوم الأحد الماضي لتنظيم تظاهرة فنية في مكان اغتياله حيث سادت الأجواء الفنية، ورقصت المحامية ليلى بن دبة الدبكة اللبنانية على أنغام «يا حجل طليت من العلالي». وبعدما صمّم عدد من النحاتين نصباً تذكارياً للشهيد، عاد القتلة في جنح الظلام ليغتالوا الذكرى ويعبثوا بالنصب التذكاري، فحطموه وعبثوا بالورود من حوله وبالشموع التي كانت تتحدى الظلام والبرد.
هم أنفسهم تلحّفوا بالظلام، مبشرين بثقافتهم الوحيدة: القتل. هذه المرة جاؤوا يحاولون قتل روحه مثلما فعل أمثالهم من أعداء الفن والحياة في سوريا عندما قطعوا رأس أبي العلاء المعري (الأخبار 12/2/2013 - 13/2/2013)، وفي القاهرة عندما اغتالوا طه حسين الأعمى الذي رأى كل شيء (الأخبار 18/2/2013).
إنّها الجريمة الثالثة التي ترتكب بحق بلعيد. بعد الاغتيال، كانوا ينوون إخراجه من القبر والعبث بجثته، مما دفع الجيش التونسي إلى حراسة الضريح، كما مزّقوا يوم السبت الماضي صوره في شارع الحبيب بورقيبة، قبل أن يحطموا التمثال في اليوم التالي.
وبعد تحطيم نصبه التذكاري، أعلن «الاتحاد العام التونسي للشغل» (أكبر وأعرق المنظمات النقابية التونسية) دعوة مجموعة من الفنانين لتصميم تمثال جديد سيكون عصياً على التخريب هذه المرة، لأنّه سيتمتع بـ«أحدث المواصفات الفنية في النحت». وقالت أرملة بلعيد المحامية بسمة الخلفاوي التي جاءت لمعاينة ما لحق بالتمثال من أضرار إنّه «عمل إجرامي»، مضيفةً أن من قام به «ليس بشراً، لقد تجاوزوا كل الحدود». وحمّلت خلفاوي وزير الداخلية علي العريض (القيادي في حركة «النهضة» الإسلامية الحاكمة) مسؤولية ما حدث، لافتةً إلى أن الوزارة لم تستجب بعد لطلبها في توفير حماية أمنية لها ولابنتيها نيروز (8 سنوات) وندى (أربع سنوات).