تونس | يبدو أنّ الوهابية وصلت فعلاً إلى تونس لتتمثّل في سياسة تخريبية ممنهجة طالت المعالم الدينية في الآونة الأخيرة. فقد نددت وزارة الثقافة التونسية بعمليات حرق وتخريب الأضرحة ومقامات الأولياء الصالحين التي طالت ٣٧ ضريحاً في غضون ثمانية أشهر، شملت معظم أنحاء البلاد. ورغم تسجيل هذه الجرائم ضد مجهولين، إلا أن أصابع الاتهام وجهت إلى المجموعات السلفية الوهابية التي تعادي الأولياء الصالحين وتحرم زيارتهم. وقد أدانت الأحزاب والجمعيات الثقافية استهداف التراث الديني الشعبي، محملة الحكومة مسؤولية «الإبادة» التي تعرضت لها المقامات.وكان مقام الولي الصالح حمد الغوث (800 سنة) أحد المتصوفين الذين سكنوا الصحراء، قد تعرّض لعملية حرق ليلة المولد النبوي الشريف في مدينة دوز في بوابة الصحراء الكبرى. علماً أنّ مدينة دوز تأسست حول مقام الغوث، ومقام ابن أخيه عمر المحجوب، وينحدر منها الرئيس التونسي المؤقت محمد المنصف المرزوقي، كما أنّها تحتضن «المهرجان الدولي للصحراء» الشهير.
ونظراً إلى الشهرة التي تتمتع بها المدينة ومقام الغوث، كان لإحراقه صدى كبير في الإعلام المحلي والغربي. كما أن مقام أبي سعيد الباجي في قلب العاصمة لم يسلم أيضاً، فضلاً عن تعرض مقامات أخرى شهيرة إلى محاولات تدمير مثل مقام الصحابي أبي زمعة البلوي في القيروان، ومقام سيدي المازري في المنستير.
شكلت هذه الاعتداءات على المعالم الصوفية كارثة على التراث الثقافي التونسي بسبب إحراق عشرات المصاحف، والمخطوطات، والأواني التي تمثل جزءاً هاماً من التراث. وفي إطار موجات الاستنكار لهذه التجاوزات، أصدرت «اليونسكو» بياناً نددت فيه بهذه الجرائم المتكررة ضد التراث الصوفي، كما أصدر «اتحاد الطرق الصوفية» المعني بالدفاع عن التراث الصوفي، بياناً حمّل فيه الحكومة مسؤولية ما يحدث، معتبراً أنّها «جريمة منظمة تهدف إلى تغيير الوجه الثقافي للبلاد من المذهب المالكي الوسطي إلى الوهابي»، الأمر الذي أكده بيان «الجمعية الوطنية للحفاظ على التراث الديني». ما تتعرض له هذه المقامات اليوم يشكل جولة من معركة ثقافية كبيرة نشبت بين ثقافتين في بلاد الطاهر الحداد: ثقافة تونسية متأصلة في تربتها التاريخية والجغرافية، وأخرى دخيلة آتية من الخليج العربي تستغل الجمعيات، والمال، والعمل الخيري، والدعاة الوهابيين، مستفيدة من غض السلطة الطرف عن كل ما يجري لتغيير وجه تونس المعروف تاريخياً.