مات سامي شرف. مات كاتم وحامل أسرار الرجل الذي لم تكن لديه أسرار، خارج أسرار الدولة. وينتمي سامي شرف إلى فئة من الناس نعرفها بلقبٍ يُشرّفها: رجال جمال عبد الناصر الخُلّص. هؤلاء عندما تراهم في مقابلات أو تقابلهم شخصيّاً تتأكد أنهم من معدن مختلف. هؤلاء لا يذكّرونك أبداً بشخصيّات اليسار اللبناني أو شخصيّات البعث السوري والعراقي. هؤلاء مبدئيّون لم يحيدوا عن الخط الذي رسمه لهم جمال عبد الناصر. هؤلاء أوفياء، ومنهم من تبيّن شرور أنور السادات وخطر مشروعه مبكّراً. في هذا الصدد، تأخّر محمد حسنين هيكل لا بل هو تشارك مع السادات في مؤامرة ضرب «مراكز القوى» في أيّار 1971. لم يكن هؤلاء إلا المؤتمنين على إرث جمال عبد الناصر في القوميّة والصراع مع إسرائيل وفي العدل الاجتماعي. كانت ملامح متناقضة لمشروع عبد الناصر تظهر في سياسات وخطب وحتى الأداء المسرحي للسادات في مقابلاته مع مسؤولين أميركيّين. سامي شرف أسّسَ أوّل مركز أبحاث ومعلومات ملحق بمكتب حاكم عربي. تعرف شخصيّة سامي شرف في كتاباته عن تجربته مع عبد الناصر، ويظهر صدقه وإخلاصه. تحدّثتُ معه على الهاتف بضع مرّات وأعجبني أكثر. نحن في زمن يسخر فيه الإعلاميّون والكتّاب من الذين يثبتون في المواقف. الحكمة في عالم النفط والغاز هي في التأقلم والزئبقيّة والرقص البهلواني. كل هذا ليس من شيم رجال جمال عبد الناصر. لم يكن كل الناصريّين مثل رجال عبد الناصر. بعض الناصريّين الجدد انضمّوا إلى جوقة السيسي الذي يمثّل في كل سياساته ــ كما السادات ــ نقيض جمال عبد الناصر. حتى أولاد جمال عبد الناصر ليسوا من رجال (ونساء) جمال عبد الناصر. تمرّ وفاة الكبار مثل سامي شرف عرضاً في الصحافة العربيّة. هؤلاء لم ينضموا إلى جوقة أو حاشية أمير أو شيخ. هؤلاء نبذوا الثراء للثبات على المبدأ والشهرة انسجاماً مع الإخلاص السياسي. إن نجاح السادات في التآمر على رجال عبد الناصر ترك أثراً بالغ الضرر ليس فقط على مصر وإنّما على العالم العربي برمّته.