بدا رحيل رفعت عطفة (1947ــ 2023)، في بداية الأسبوع مأتماً جماعياً. فقد كان من المثقفين القلائل الذين ينتسبون إلى سلالة المثقف العضوي. فعدا اشتغاله في الترجمة من الإسبانية إلى لغة الضاد، لعب دوراً حيوياً أثناء عمله في إدارة المركز الثقافي في مدينة مصياف، إذ حوّل هذه المدينة الصغيرة وسط سوريا إلى فضاء ثقافي عربي باستضافة أبرز المثقفين السوريين والعرب بما يشبه مضافة بدوية، ونسخة شخصية من حاتم الطائي لجهة الكرم. ليس مصادفة إذاً، أن ينهي حياته بتدوينة أخيرة على صفحته الشخصية في فايسبوك: «يا الطائي لم يبق عندنا ما يوقَد، لم يتركوا لنا ما يوقد، ولا ما يؤكل، يا حاتم الطائي، لم يبق عندنا، لم يتركوا لنا ما نقدمه للضيف، لم يبق عندنا ما نبيعه لنشتري به، لم يبق عندنا من يشتري. لم يبق شيء، يا طائيُّ، لذلك أقترح عليك أن تهاجر قبل أن تموت برداً وجوعاً وقبل أن يقول الناس مات الطائيُّ فقراً وبرداً وجوعاً». اعتنى المترجم الراحل باكراً بلغة سرفانتس راسماً خريطة شاسعة للأدب الإسباني تربو على نحو 70 عنواناً، أبرزها إعادة ترجمة «دون كيخوته» رائعة سرفانتس برؤية عصرية، مخلّصاً إياها من شوائب ترجمة عبد الرحمن بدوي، كما أنجز ترجمة موازية لمذكّرات غابرييل غارسيا ماركيز «نعيشها لنرويها»، فيما كان المترجم الراحل صالح علماني اختار عنواناً آخر للمذكّرات هو «عشتُ لأروي». وسنقع على عشرات العناوين الأخرى في إعادة توطين كتابات ماريو فارغاس يوسا «البيت الأخضر»، وإيزابيل الليندي «صورة عتيقة» و«الخطة اللانهائية»، وأنطونيو غالا «المخطوط القرمزي» و«الوله التركي»، وبابلو نيرودا «كتاب التساؤلات». تميّزت ترجمة رفعت عطفة بالأمانة والدقة أكثر من عنايتها بالمعمار البلاغي، بناءً على معرفته باللغة الإسبانية عن كثب، نظراً إلى دراسته هذه اللغة في جامعة مدريد المستقلة، بالإضافة إلى إدارته للمركز الثقافي السوري في مدريد لسنوات، قبل أن يعود إلى مدينته مصياف ويُدفن فيها.