رحل، أوّل من أمس، المايسترو الأميركي لورين مازيل (الصورة) عن 84 عاماً. لم يكن يتابع نهائي كأس العالم، ولم يتابع خبر وفاته إلا قلّة. هكذا هي اللعبة. نورٌ وظلام. الليل محا وجه مازيل وأشرقت الشمس على وجه ماريو غوتسِه. للرثاء أدبياته ومبالغاته. وما لم يُقَل عن لورين مازيل (1930 – 2014) في حياته سيقال اليوم. لكنّ الحقيقة لا تحتاج إلى من يظهرها ولا تأبه لمن يحرّفها.
من هنا، ننطلق للكلام عن قائد الأوركسترا الأميركي الكبير الذي تركنا بعدما ترك بصمة واضحة في عالم الموسيقى الكلاسيكية الغربية.
لورين مازيل هو قائد أوركسترا، وعازف كمان، ومؤلف. ولِد في الولايات المتحدة لعائلة روسية مهاجرة. ككثير من الأطفال الموهوبين فوق العادة في عالم الموسيقى الكلاسيكية، بدأ نشاطه وهو لمّا يزل مراهقاً. بعدها، جال العالم وقاد أهم الأوركسترات (من نيويورك إلى برلين وفيينا و... قطر الفلهارمونية!). أنجز تسجيلات بالعشرات وغطّى كل الحقبات مع تركيز على القرن التاسع عشر (بالأخص النصف الثاني منه)، والنصف الأوّل من القرن العشرين. الثغَر الكبيرة في ريبرتواره تُختصر باسمَين: باخ وموزار، علماً بأنّه لم يهمّشهما كليّاً. تعداد تسجيلاته أمر مستحيل، وذكر أبرزها سهل ومختصر: مثلاً، التسجيل الكامل لسمفونيات الفنلندي جان سيبليوس (مع أوركسترا فيينا الفلهارمونية) هو مرجعٌ في الديسكوغرافيا الكلاسيكية ووجوده في أي مكتبة محترمة أمرٌ ضروري. فسمفونيات بيتهوفن معه يمكن إيجاد أكثر من تسجيل أفضل منها وكذلك تسجيل «دون جيوفاني» لموزار، علماً بأنّه استُخدم في رائعة جوزف لوزيه الذي نقل هذه الأوبرا العظيمة إلى السينما. إذاً، باختصار وتجرّد، لورين مازيل هو قائد أوركسترا كبير، لكنه لا يرتقي إلى منزلة الأساطير ولم يمتلك كاريزما الكبار (النمسوي كارايان، الألماني فورتفانغلر، السوفياتي مرافينسكي والإيطالي توسكانيني...).
لمازيل وظيفة موسيقية ثانية (من حيث الأهمية) بعد قيادة الأوركسترا، هي العزف على الكمان. هنا المسألة تقتصر على امتلاك الرجل تقنيات هذه الآلة، لكنه لم يحقق شيئاً يذكر في هذا المجال وعدم ذكر اسمه في لائحة أفضل مئة شخصية في تاريخ الكمان لا يقدِّم ولا (بل قد) يؤخِّر. بقي مازيل المؤلف. والتأليف أسرارُه من نوعٍ آخر. هنا الكل يعرف أنّ القائد الكبير وعازف الكمان غير اللامع هو مؤلف لمجرّد التأليف. فمكتبة موسيقية مذهلة أو محل ضخم متخصص ببيع الأسطوانات لن ينقصهما شيء من دون مؤلفات مازيل. لكن في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى الأوبرا الذي أنجزه منذ بضع سنوات والذي اكتسب انتشاره بفضل عنوانه لا أكثر: «1984» (عن قصة جورج أورويل الشهيرة). عربياً، ما علاقة لورين مازيل بقطر؟ ليس الوقت مناسباً لهذا الحديث... لكن له صلة.