على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

توقّف القسم العربي لـ«هيئة الإذاعة البريطانيّة» عن البثّ. أنا عليَّ أن أحزنَ وأن أذرفَ الدموعَ مدرارة. لماذا؟ لأنّني قرأتُ في الإعلام السعودي والإماراتي والقطري أنّ هناك حزناً يعمّ العالم العربي لتوقّف البثّ، ولأسباب محض اقتصاديّة. هذا سبب شديد التهذيب في الإخراج من قبل الحكومة التي كانت في ما مضى عُظمى». السبب الحقيقي أنّ أحداً لم يعد يستمع لبثّ الـ«بي بي سي». هناك بدائل إعلاميّة كثيرة بالعربيّة (معظمها تابع للأنظمة الثلاثة المذكورة). كانت الإذاعة البريطانيّة قويّة في غياب البدائل: وكان بثّها أقوى من بثّ صوت أميركا. ما لم تقله المراثي عن القسم العربي، إنّ الإذاعة كانت ببساطة شديدة أداة بروباغندا بيد الحكومة تستعملها في حملاتها السياسيّة لصالح بريطانيا وحلفاء إسرائيل. هل تعلمون أنّ الشغل الشاغل للقسم العربي (وغير العربي) في «هيئة الإذاعة البريطانيّة» في الخمسينيّات والستينيّات كان القضاء على جمال عبد الناصر؟ هناك شرائط من خطب لعبد الناصر وفيها يردّ على الحملات المجنونة من قبل الإذاعة ضدّه وضدّ حكمه. كانت تبثّ أخباراً متواصلة (مألوفة لمن يتابع اليوم إعلام الغرب) عن تظاهرات واحتجاجات في مصر ضدّ عبد الناصر. الذي كان يستمع إلى «هيئة الإذاعة البريطانيّة» كان يخال أنّ مصطفى النحّاس في طريق عودته إلى الحكم (كما أنّ إعلام الغرب والخليج يترقّب وصول ابن الشاه إلى إيران في أي لحظة كي يقود الأمة الإيرانيّة إلى شاطئ الخلاص). صحيح أنّ الإلقاء واللغة والتدريب من «هيئة الإذاعة البريطانيّة» كانت جديّة ورصينة ــــ في الشكل لا في المضمون. هي حتماً أفضل من البروباغندا الصارخة والفجّة التي يضخّها إعلام الغرب هذه الأيام (ويضخّها من خلال ما يسمّيه «الإعلام المستقل» في عالمنا، أي الإعلام المموَّل منه). لكنّ الإذاعة البريطانية أداة حكوميّة للتضليل: كُشف قبل أيام اللثام عن دور الهيئة في التحريض ضدّ الحزب الشيوعي الإيطالي في الحرب الباردة. كان مسؤول حكومي يعطي أسئلة و«معلومات» للمذيع كي يسألها للمسؤول الشيوعي الإيطالي على الهواء. التقارير البريطانية المُفرج عنها تحدّثت عن الإعلاميّين كأدوات. هنا لندن؟ لا، كان هناك لندن.

0 تعليق

التعليقات