هل يكفي إصدار طابع تذكاري يحمل صورة فاتح المدرّس (1922 ــ 2022) للاحتفال بمئوية هذا التشكيلي الرائد؟ لا معرض استعادياً لأعماله أو إطلاق اسمه على أحد الشوارع أو الساحات، أو إقامة نصب يخلّد حضوره. هكذا عبرت المناسبة بصمت، من دون اكتراث أي جهة رسمية، ذلك أنّ فوضى الحرب وعشوائية القرارات الثقافية أهملت هذه الذكرى لمصلحة المهرجانات الغنائية وحسب.

ينبغي إذاً، أن نشكر «المؤسسة السورية للبريد» التي أحيت ذكرى فاتح المدرّس بطابع صغير صمّمته منى بو حمدان، استكمالاً لمشروعها في تخليد أسماء المبدعين السوريين الذي بدأته المؤسسة منذ عام 2005 بإصدار مجموعة من الطوابع تحمل صور نزار قباني، وعمر أبو ريشة، وعبد السلام العجيلي، وسعد الله ونوس، ونهاد قلعي، ومصطفى العقّاد، وآخرين. في الطابع الذي صمّمته منى بو حمدان تمتزج صورة المدرّس بإحدى لوحاته في محاولة لاستعادة سيرته الكاملة منذ أربعينيات القرن المنصرم، إذ سك حزنه الريفي في لوحاته، وظلّ لصيقاً بألوانه المستمدة من بيئته الأولى. احتضنت لوحته حالات من غيبوبة الأسطورة وغمامية الحلم، واتسعت لنوافذ كثيرة مطلة على الذاكرة والهواجس الطفولية التي تسكن مأساوية الفراغ، فإذا بصاحبها أبرز ممثلي «الواقعية التعبيرية» التي لا تخاف التجريد، وأحد أهم التعبيريين العرب. تفاعل المدرّس مع الفنون الشرقية القديمة، ومزجت تعبيريّته الحديثة التراث المحلّي، والمخزون الثقافي العربي الإسلامي، بالأسئلة الكونية، ومشاغل الإنسان المعاصر. ولم تكن دراسته للفن في روما ثم في باريس، عائقاً أمام تأكيد هويته وجذوره الحضارية. فهذا الهاجس كان عنوان مغامرة مستمرّة وبحث جمالي معمّق لبناء لغة تشكيلية، تعتمد تجريد الأشكال واختزالها إلى مجرّد علامات وخطوط، من دون الغوص في تفاصيلها الواقعية أو التخلي عن الهموم الإنسانية.