إحسان المنذر (1947 ـــ 2022)، اسم رافق بدايات ونجاحات مجموعة من الفنانين البارزين. يرى كثيرون أنّ سرّ تكريسه كأحد أشهر الأسماء في ميدان الموسيقى في لبنان والعالم العربي، هو تعويذة نادرة جمع فيها بين الموهبة والمثابرة والدراسة، وساهمت في حفظ مكانة له على مدى أكثر من ربع قرن. صاحب مسيرة مهنية خصبة، انطلقت رسمياً من بوّابة التلحين عام 1980 مع ترنيمة «نبع المحبة» لماجدة الرومي من كلمات الشاعر مارون كرم. مع ساعات الصباح الأولى أمس، غادر المغنّي والموزّع والملحّن وقائد الأوركسترا اللبناني عالمنا بعد معركة مع المرض استمرّت لسنوات. وحتّى الرمق الأخير، لم يتخلَّ الرجل الذي دُفن أمس في روضة الشهيدَيْن عن إحدى أشهر صفاته: الحلم. مَلَكة شكّلت الدافع الأساسي وراء نجاحاته على مدى عصور مع أسماء لامعة منها: صباح، وليد توفيق، نجوى كرم، راغب علامة (يعتبر المنذر عرّابه)، ميشلين خليفة، جوليا بطرس.... حتى أنّ أكثر أغنيات ماجدة الرومي انتشاراً حملت توقيعه: «مطرحك بقلبي»، «مبارح أنا وعم ودّعك» و«كلمات»... ناهيك ببصمته المميزة في ألبوم للأطفال بصوت الرومي، تضمّن أغنية «يا عصفورة». ومن بين أحلامه الأخيرة، ترجمة مقطوعاته الموسيقية إلى فيديوات لتقريبها من جيل اليوتيوب. وفي الاستديو الخاص به «المنذر سوبر ساوند» الذي أسّسه عام 1992 في الدكوانة (شرق بيروت)، كان يواصل تسجيل أعمال لفنانين شباب، وإن كانت وتيرة أنشطته التلحينية قد خفّت خلال السنوات الماضية، عندما ابتعدت المنافسة عن الإبداع وباتت أقرب إلى الاستهلاك. واقع مرير حاول إحسان التعايش معه، لكن من دون جدوى.
وُلد المنذر في بيروت وعشق الفن منذ الطفولة. يعود الفضل في ذلك إلى عازف ناي غامض كان يقصد بيت الجيران كلّ يوم ليعزف لحبيبته تحت شباكها. أما «عزيزة» لمحمد عبد الوهاب، فشكّلت نقطة بداية تمريناته على العزف، ثم بدأ دراسة الموسيقى أكاديمياً في عمر العاشرة. تابع تحصيله العلمي في القاهرة التي سافر إليها عام 1963، ثم عاد إلى بيروت لدراسة السياسة والاقتصاد في «الجامعة اللبنانية» في الصنائع. تأثّر إحسان الشاب عميقاً بأعلام عربية كأم كلثوم و«موسيقار الأجيال» والأخوين رحباني، كما كان يهوى الموسيقى الغربية خصوصاً تلك العائدة إلى فرانك سيناترا والـ «بيتلز»، من دون أن ننسى الموسيقى الكلاسيكية وتحديداً مؤلّفات باخ وموزار وشوبان. في 1967، حطّ في إيطاليا لدراسة الموسيقى. وفي بلاد الرومان، تزوّج من «مارينا» التي أنجب منها أربعة أولاد، توفي أكبرهم عام 1983 حين كان في الـ 12 من عمره، في لبنان الغارق في أتون الحرب الأهلية. أمام هذه المأساة، أصرّت الزوجة على مغادرة البلاد، الأمر الذي رفضه شريكها، فما كان منهما إلا أن انفصلا، لتعود المرأة إلى موطنها مع أبنائها الثلاثة. وفي عام 1990، ارتبط المايسترو بكارول شحود وأنجب منها ولدين، هما فراس وآية التي لطالما أكّد أنّها «نقطة ضعفه». كانت له محطات أساسية لناحية تأليف الموسيقى التصويرية لأفلام ومسلسلات وإعلانات مصورة، إلى جانب بصمته في البرامج التلفزيونية، أهمّها تقديمه «نغمات على البال» على شاشة «المستقبل» ومشاركته في «استديو الفنّ» كقائد للفرقة الموسيقية بعدما تعرّف على المخرجَيْن سيمون أسمر وروميو لحود.
وفور الإعلان عن النبأ، لجأ مشاهير إلى حساباتهم على مواقع التواصل لرثاء الفقيد واستذكار أبرز صفاته ومراحل حياته المهنية الغنيّة مع نشر صور له وأخرى رسمها بيده لأشخاص يعتبرون مرادفاً للزمن الجميل الذي ظلّ يتوق إلى أمجاده، آملاً في تغيير لم يأتِ... بعد!

* تُقام ذكرى الثالث في مقرّ «جمعية التخصّص والتوجيه العلمي» في الرملة البيضاء (بيروت ــ قرب مركز أمن الدولة» بعد غدٍ السبت، من الساعة الخامسة حتى الساعة بعد الظهر.