على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

صباح لم تنل حقّها بعد، ليس فقط كأعظم فنّانة في تاريخنا بل أيضاً كأفضل مواطنة، في لبنان والعالم العربي. هي موهبة نادرة فعلاً. لم تكن فنانة استعراضية ذات صوت قوي وفريد فقط، بل كانت شديدة الذكاء وعملت على تثقيف نفسها بنفسها. كانت تقرأ الأدب العربي وكانت لغتها العربيّة ممتازة. وهي كانت بالفعل تحبّ إسعاد الناس، ومارست ذلك على حسابها في الكثير من الأحيان. لو أنسى، لا يمكن لي أن أنسى مرّة في مسرحيّة لها في مسرح «المارتينيز»، كنتُ برفقة والديَّ وكنتُ شديد الحنق منهما لأسباب خاصّة (لا علاقة لكم بها). وإذ هي لاحظت أنني واجمٌ طيلة السهرة فما كان منها (وكنت في سن الثالثة عشرة في عام 1973)، إلا أن تقدّمت على خشبة المسرح وصارت تتوجّه لي (أنا، من أنا) بالأغنية وأذكر كلماتها «اضحك، يا قمر»، وضحكت خجلاً وارتباكاً واحمرّت وجنتاي. اطمأنّت صباح لضحكة الصبي يومها. قد تكون صباح نموذجيّة من حيث إنها لبنانيّة لم يكن فيها قيد شعرة من الطائفية. لم تفكر طائفيّاً أبداً. مارست تجاهل الهُويّات الطائفيّة في حياتها الخاصّة وكانت شديدة الحرص على كرامتها. وكانت عربيّة بكل معنى الكلمة، وغنّت للثورة الجزائريّة وكانت تغنّي مجاناً في الكويت لتمويل العمل الفدائي. هذا جانب غير معلوم عن صباح. وعندما تشاهد صباح تغنّي، تدرك كم أنّ الغناء كان في زمانه غير ما هو عليه. الحفلة التي أقامها أسامة الرحباني أخيراً، حيث غنّت أليسا لفيروز (كأنّ أولاد منصور يمعنون في محاولة إهانة فيروز العظيمة)، تتيح لنا التمييز بين زمن جميل فعلاً (في الغناء فقط) وبين زمن قبيح فعلاً (في السياسة والفن). أدعوكم لمشاهدة مقابلات صباح على يوتيوب من زمن نجيب حنكش لتكتشفوا ذكاء وسرعة بديهة وتواضع صباح. ولصباح أغانٍ بالفصحى، هي تُجيدها كما تُجيد المواويل. أغنية «فيكي يا دار الوفا» من أجمل أغانيها (هل هي من تلحين نجيب حنكش أم صديقه خليل القاري؟ الخط بينهما لم يكن واضحاً). صباح لا تُعوّض.

  • مقابلة: مؤسسة كهرباء الليطاني و إهراءاتها

0 تعليق

التعليقات