على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

كيف عرفتُ في صيف 1982 أن الاجتياح الإسرائيلي قد بدأ؟ كنتُ جالساً في دار شقتنا (المُستأجرة) في حيّ المزرعة وكانت أمّي تستضيف زوّاراً. وفجأة، سمعنا دويّ طائرات العدوّ تحوم فوقنا. جزعت والدتي واضطربت على الفور. ثم توالى صوت انفجارات مدويّة وكانت تقترب. حاولتُ أن أخفّف الهول عن أمّي بالنكات، فطفقتُ أقول لها: هذا استهداف للحّام. هذا استهداف لصالون الحلاقة. وقبل أن أكمل كلامي، سمعنا صوتَ انفجار لم أسمع مثله من قبل أو من بعد. لم يكن الصوت فقط هو المخيف. صاحَبَه مرور شعاع كثيف جدّاً من النار والغبار، وهو مرّ من أوّل الشقة من الشرفة حتى آخر الشقة من الشرفة المقابلة، وشاهدنا الشعاع أمام ناظرينا ورافقَ مروره تكسير زجاج المنزل. أذكر من تلك اللحظة التي بدت كساعة بطيئة أنني (للمرّة الأولى في حياتي) تساءلتُ في سرّي: هل أنا حيّ أم ميّت؟ هل قتلني الانفجار؟ وعندما أدركتُ أنني حيّ وجدتُ أمي ملقاة على الأرض غائبة عن الوعي. كنا على يقين أنّ المبنى الذي نقيم فيه قد أصيب لكن عندما نظرنا إلى الشرفة، وجدنا أن مبنى مجاوِراً لنا في الشارع تهدّم فوق رؤوس ساكنيه في ذلك اليوم. قنبلة فراغيّة حوّلت مبنى عَمودياً إلى أرض مسطّحة. لم يكن قربنا أي مركز لمنظمة التحرير. في ذلك اليوم، أدركتُ كيف ينتشر جواسيس العدوّ بين الناس. أذكر أنهم (بالترافق مع المحطة الإسرائيليّة المعروفة بـ«صوت لبنان، صوت الحريّة والكرامة») نشروا إشاعة أن إسرائيل اعتذرت عن تدمير المبنى، كأنّ تدمير مبنى سكني ليس من شيم العدوّ. لم يكن هناك مجال للزعم بأنّ مركزاً إرهابيّاً قد أصيب. لا تزال أفلام الحرب تزعجني لأنها تذكّرني بدويّ ذلك الانفجار. ولم تتوقّف الانفجارات. قدتُ سيّارتي كي أصطحب أختي من منطقة الحمراء وكانت الانفجارات تُشعرني بأن السيارة ترتجّ وتطير عن الأرض قليلاً. تريد مني ومِن مَن عايش تلك الفترة ونجا منها أن يسلّم رقبته ورقبة أحبابه لاستراتيجيّة جوزيف عون الدفاعيّة؟ تسلّم رقبة الجيش المصري لعبد الحكيم عامر؟

  • تمثيلية تمثيل النّاس

0 تعليق

التعليقات