على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

أنا ــ ومَن أنا ــ ربُّ الترويج لنظريّة المؤامرة في بلادنا، بل إنني حذّرتُ من خطورة السخرية من نظريّة المؤامرة لأنها جزء من نظريّة المؤامرة للترويج لسخريتها من أجل طمس المؤامرة وجعل الذين يؤمنون بها يشكّكون في سلامة قواهم العقليّة وقدراتهم التحليليّة السياسيّة. لكنّ هناك نظريّات مؤامرة بلهاء. المخطّط الأكبر الذي يجب التنبّه إليه في بلادنا اليوم أنّ هناك مؤامرة خليجيّةــ إسرائيليّةــ غربيّة حقيقيّة تستهدف كل أعداء إسرائيل في المنطقة. كل المؤامرات الأخرى والانتخابات و«التغييرات» منبثقة من هذه المؤامرة الكبرى. أما المؤامرات البلهاء فهي تلك التي تحدّثك عن مؤامرة ماسونيّة أو عن «بروتوكولات حكماء صهيون». أنا مدين للمؤرّخ الفلسطيني، وليد الخالدي (بلغ منتصف التسعينيّات من عمره وهو منكبّ على كتابة مذكّراته في كمبردج في ولاية ماساتشوستس) لأنه حذّرنا ونحن طلّاب في الجامعة الأميركيّة في بيروت من الاعتقاد بالبروتوكولات التي كانت الثقافة العربيّة تلهج بالحديث عنها. نعلم اليوم أنّ الشرطة السريّة للحكم القيصري في روسيا هي التي زوّرت واخترعت هذه البروتوكولات للتحريض ضد اليهود. روّجها في بلادنا كثيراً عجّاج نويهض وشوقي عبد الناصر نشرها في الستينيّات في القاهرة. بات العدوّ ينتظر أي إشارة لها في إعلامنا كي يسخر منا ويدلّل على تخلّفنا المعرفي. في موازاة ذلك، هناك من يؤمن بالمؤامرة الماسونيّة. ليس هناك من مؤامرة ماسونيّة. الحلقات الماسونيّة كانت جمعيّات أو نواديَ للمتعلّمين في بلادنا. والنوادي الماسونيّة تستعمل رموزاً وأسماء تاريخية من الإنجيل ومن الحقبة الصليبيّة، ما يجعل بعضهم في بلادنا يعتقد أنّ الماسونية مؤامرة صهيونية معاصرة. النّخب كانت تنضم إلى المحافل: الكثير من رؤساء أميركا (حتى جيرالد فورد) كانوا أعضاء. لكن ليس من سياسة فيها ولا سياسة خارجيّة أبداً. إنّ حديثنا عن الماسونيّة هو تضييع وقت وتحوير أنظار عن المؤامرة الحقيقيّة الكبرى. بكلام آخر: إنّ الترويج للمؤامرة الماسونيّة أو مؤامرة حكماء صهيونيّة قد يكون جزءاً من المؤامرة، أي إنّ المؤامرة الحقيقيّة تحتاج إلى مؤامرة مزيّفة للتضليل وتحوير الأنظار. هاكم نظريّة مؤامرة منّي، ومجاناً.

0 تعليق

التعليقات