على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

لديّ قناعة بأنّه لم يهبل الشعب اللبناني أكثر من فيلم «سفر برلك». ولم يهبل الأخوان رحباني (وأنا شديد الإعجاب بعاصي) أكثر من سعيد عقل الذي لعب بعقليْهما وحثّهما على إنتاج أساطيره وخزعبلاته عن لبنان وتاريخه. لا يزال الشعب اللبناني— بمناهجه الدراسيّة — يعاني من الجهل التاريخي الفظيع وفبركات سعيد عقل وفؤاد أفرام البستاني عن «حضارة فينيقيّة» وعن لبنان ضارب في القدم. فيلم «سفر برلك» (وكان ذا نجاح منقطع النظير في صالات لبنان عند عرضه في الستينيّات) اخترع سرديّة لا أساس لها من الصحّة عن مقاومة لبنانيّة (وحرب عصابات ومولوتوف) ضد السلطنة العثمانية. هذه كلّها كذبة لا أساسَ لها من الصحّة. عاش الشعب اللبناني في العهد العثماني ولم يكن هناك شكاوى من حكم السلطنة إلا في حالات نادرة تتعلّق بالتجنيد والضرائب فقط. الكبّة النيّة كانت دوماً أغلى من الحريّة عند اللبناني. كانت هناك أحياناً خلافات بين ملتزمين محليّين عن جمع الضرائب: يعني خلافات نألفها في لبنان عن المصاري. وعندما سقطت السلطنة العثمانيّة، لم تكن هناك تظاهرة ابتهاج واحدة في كل لبنان، ولا تعبير عن نيل الحريّة. واللبنانيّون في المهاجر قاموا بحملة سريعة من أجل استبدال سلطان بسلطان آخر: لبنانيو أميركا حذّروا من سلطة إسلامية ودعوا إلى حكم غربي مسيحي عليهم. والنزعة العروبية ضد السلطان كانت— في جوانب منها —مشروع سفارات الغرب للترويج لمصالحها، مثل أن إنشاء الجامعة العربية كان مشروعاً بريطانياً وإنشاء مجلس التعاون الخليجي كان أيضاً مشروعاً أميركياً. وحده شكيب أرسلان كان صريحاً: قال أنا قومي عربي لكنّ هؤلاء الأفراد القوميّين الذين (بأفراد قليلة ومن دون قاعدة شعبيّة) ثاروا لفترة قصيرة ضد السلطان. كان مشروعاً أوروبياً بزي قومي عربي. أين هي حقيقة المقاومة اللبنانية ضد السلطان العثماني؟ المقاومة في تاريخنا استثناء وليست أصل البناء الوطني. صحيح، جرت تظاهرات ابتهاج عندما زال المستعمر الفرنسي—لا العثماني. لكنّ الكنيسة (التي كانت أداة عند الفرنسي) راقها اختراع أسطورة مقاومة العثماني في صخور الجبال. بطولات لبنان وهمية باستثناء مقاومة دحر وهزيمة إسرائيل.

0 تعليق

التعليقات