بعد غياب استمرّ ثلاث سنوات فرضته الظروف الصحية والاقتصادية، عاد «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» في دورته الثالثة والستين إلى واجهة بيروت البحرية، على الرغم من غياب كبريات الدور كـ «الآداب» و«هاشيت أنطوان» و«التنوير» و«الساقي»... هكذا، كان محبّو القراءة، رغم كلّ شيء، على موعد مع الحدث الذي لطالما شكّل مساحة للنقاش وعكس هُويّة لبنان الثقافية والحضارية المتنوّعة.
حملة ممنهجة على «دار المودّة» بسبب صورة قاسم سليماني

لكن في ظلّ واقع سياسي مأزوم على مشارف الانتخابات النيابية، حيث شدّ العصب الطائفي والسياسي واللعب على وتره يصلان إلى أوجهما، وأداء إعلامي يشتغل منذ فترة طويلة على التحريض الممنهج بدون أي مسؤولية أو أخلاقيات مهنية أو حرص على النسيج الاجتماعي، قرّر أحدهم ممارسة نوع من «بلطجة» أمس على «دار المودّة للترجمة والتحقيق والنشر» التي روّج بعض الإعلام بأنّها إيرانية. مع العلم بأنّ الدار لبنانية مرخّصة منذ عام 2015، تشارك منذ ذلك الحين في معرض بيروت وفي معارض دولية عديدة، آخرها في مسقط وتركيا. أما إنتاجاتها، فمرتبطة بتوثيق سير الشهداء وقصصهم والفكر الذي ينتمون إليه.
الاعتداء على الدار المشاركة في معرض بيروت للكتاب، جاء بعد أيّام على حملة افتراضية منظَّمة، وسيطرة مشهد تحريضي بامتياز على وسائل الإعلام التقليدية ومواقع التواصل الاجتماعي، تصدّرته شخصيات سياسية لبنانية وسعودية معروفة، اعتراضاً على رفع الدار صورة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني. الاعتداء نفّذه شاب يدعى ش. ب قال إنّه من «ثوّار 17 تشرين» وبرفقته شابة. هاتفاً «بيروت حرة حرة... إيران طلعي برا»، حاول الشاب تمزيق صورة سليماني قبل تخريب بعض مقتنيات الجناح والتعدّي على زبونة كانت في الجناح وفق ما يقول لنا مدير «دار المودة» محمد ناصر. وفي محاولة لاحتواء الموضوع، عمدت مجموعة من الناشرين إلى إخراجه من «سي سايد أرينا»، ليبقى بضعة شبّان في الخارج حاملين العلم اللبناني.
«تعرّضنا لحملة شعواء على السوشال ميديا وسط دعوات لممارسة العنف ضدّنا»، يقول لنا محمد ناصر، مشدداً على أنّ الصورة التي أثارت حفيظة بعضهم هي «عمل فني يجمع منتجات موجودة لدينا. فمن بين أعمالنا، سبعة كتب تتعلّق بسليماني، وتتناول سيرته وجوانب من حياته وأفكاره». وأوضح أيضاً أنّه «أصررنا على إعادة فتح المعرض لأنّه يجب أن يبقى صرحاً ثقافياً مفتوحاً أمام الجميع».
بعيد هذه الواقعة، سارعت وسائل إعلام مرئية إلى الترويج بأنّ القائمين على المعرض يتجهون نحو إلغاء دورة 2022 بسبب ما جرى، غير أنّ إدارتَي «النادي الثقافي العربي» و«سي سايد أرينا»، أكدتا في بيان مشترك أنّه خلافاً لما يتم تداوله، فإنّ الحدث «مستمرّ كالمعتاد، يومياً من العاشرة صباحاً وحتى الثامنة مساءً، لغاية 13 آذار/ مارس الحالي»، وأنّ الإشكال الذي حصل «انتهى كلياً». هذا ما كان قد أكّده لنا مسؤول المعرض الإعلامي، أكرم حمدان، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ الأبواب أُقفلت موقّتاً إفساحاً في المجال أمام تهدئة الأمور، قبل استعادة النشاط كالمعتاد. في عزّ الحرب الأهلية، لم يشهد «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» حادثة كالتي شهدها بالأمس نتيجة التحريض الممهنج. هذه الواقعة جاءت كنتيجة منطقية للتحشيد الإعلامي والسياسي المستمرّ... فمن يدافع عن لبنان الذي كرّس مكانته التاريخية باعتباره واحة للحوار والتعددية الفكرية؟