أحنّ إلى «المحرّر». كانت صحيفة معارضة وثورة وإثارة. لا أنسى عنواناً بعد صراع بعثي على السلطة يهجو «طبول بغداد». كانت (قبل صدور «السفير») نقيض جريدة «النهار»، لكن بنَفَس فلسطيني قويّ. تخيّل جريدة يرأس تحريرها شفيق الحوت ويكتب فيها غسان كنفاني. مهام إدارة مكتب منظمة التحرير أبعدت الحوت عن «المحرّر»، لكنّه عاد في السبعينيّات ليكتب عموداً يوميّاً بعنوان «ابن البلد» (صدر قبل سنوات في كتاب). كان يجمع بين التعليق الساخر والنقد العنيف للأنظمة. حرّرَ غسان كنفاني ملحق «فلسطين» في «المحرّر». لم تكن جريدة «النخبة الحاكمة»، بل كانت صوتاً مجاهراً ضدّها. صور لبيب ريحان (مصّور الجريدة) كانت أفضل ردّ على صور «دالاتي ونهرا» (المصوّر الرسمي للدولة اللبنانيّة الذي كان يُظهر مسؤوليها بهيئة وقار ورصانة). ظهر السياسيّون بعدسة ريحان على حقيقتهم: أقرب إلى المهرّجين.«المحرّر» هي التي علّمت جيلاً كاملاً أنّ فلسطين هي لبنان ولبنان هو فلسطين. مَنْ تربّى على «المحرّر» لم يُصدَم عندما أشعل حزب «الكتائب» الحرب الأهليّة. كانت تحذّر وتنبّه وتعبّئ. وأصبحت بعد وصول «البعث» إلى السلطة في بغداد جريدة النظام الرسميّة. لكنّ «البعث» (بجناحه العراقي لا السوري) كان حزباً ثوريّاً في حينه: يدعم جبهة الرفض ويطالب بالثورة في لبنان. كيف ننسى دوره في جنوب لبنان ضد سلطة الدولة والإقطاع؟ موسى شعيب الذي لم يهدأ يوماً في حياته والذي كان كابوساً لزعامة كامل الأسعد، كان موالياً لـ «البعث» العراقي (قتله النظام السوري). وبعد دخول الجيش السوري إلى لبنان، حرق ودمّر «المحرّر» ومنعها من الصدور. غادر ناشرها إلى باريس حيث أصدر مجلّة «الوطن العربي» التي لم تكن مثل «المحرّر»، ثم بيعت إلى خالد بن سلطان.
الزمن الجميل في لبنان لم يكن ذلك الذي بهر غسّان تويني. الزمن الجميل كان في التمرّد على الزمن غير الجميل. «المحرّر»، لا «النهار»، كانت الزمن الجميل!