خلال الأيام الماضية، شهدت تركيا حدثَين يتعلّقان بمطربتين تُعتبران من رموز الأغنية التركية الكلاسيكية والحديثة. الأولى هي سيزين آقصو، والثانية بولنت إرصوي. تحوّلت قضيّتاهما إلى المادة الأولى في السجالات المحلية، مطيحة بالأزمة الاقتصادية الخانقة «كأنه لم يعد هناك ما يشغل الأتراك عن مشكلات التضخم والغلاء وزيادة الضرائب سوى آقصوي وإرصوي» كما عنونت صحيفة «سوزجي» يوم الأربعاء الماضي.كانت سيزين آقصو (68 عاماً)، الملقّبة بـ «العصفورة الصغيرة»، قد قدّمت أغنية «أن تعيش شيئاً رائعاً» (تأليف سيزين آقصو ـ ألحان الموسيقار المعروف ياشار غاغا) في 2017. ومع أنّ أربع سنوات مرّت على الأغنية، إلا أنّ أحمد محمود أونلو ــ أحد رجال الدين المعروفين في تركيا باسم «أحمد خوجا ذو الجبة» ـ شنّ حملةً عنيفةً على الأغنية، متّهماً إياها بـ «تحقير الدين الإسلامي». يقول المقطع الذي اعترض عليه خوجا: «بألمها وحلاوتها/ يا له من شيء رائع لتعيشه/ أن تصل إلى القاع وأن تقف منتصباً/ ألف عذر، ألف لعبة/ نحن في فأل/ نحن ذاهبون إلى القيامة/ قل سلاماً لهذين الجاهلين/ حواء وآدم».
ومع أنّ أحداً لم يثر أيّ ردة فعل عندما خرجت الأغنية في 2017، إلا أنّه عندما بُثّت مجدداً على قناة على اليوتيوب كتحيّة للعام الجديد، قامت القيامة، خصوصاً من جانب جماعات إسلامية ومنهم رجال دين، فانطلق فوراً هاشتاغ «سيزين آقصو الزمي حدّك». واستتبع ذلك تجمّع حوالى 20 شخصاً يوم الثلاثاء الماضي أمام منزل آقصو في منطقة بايكوز في إسطنبول. الأشخاص ينتمون إلى «حركة المصير الوطني» المعروفة بقربها من «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي. ثم تجمّع هؤلاء في «ميدان قالينجه» وأدلى مراد شاهين باسم المجموعة بتصريح جاء فيه: «لقد جئنا إلى هنا لنكون الصوت الصحيح لهذه الأمة ولنصرخ للأصدقاء والأعداء أن هذه القلعة هي آخر معقل للإسلام». وتقدّم بعض المحامين بادّعاء ضد آقصو بحجّة أنّ «ما ورد في الأغنية هو تحقير للإنسان الأول النبي آدم وحواء». في المقابل، دافع فنانون تعرّضوا سابقاً لحملات من متشدّدين دينيّين عن المغنية، فيما كتب محمود تشينار في صحيفة «غازيتيه دوار» مقالة بعنوان «قضية سيزين آقصو: هل تقطع الشريعة هذا الإصبع؟»، قائلاً: «إنّ حركة طالبان تحرق الآلات الموسيقية (...) وبذريعة «الحساسيات الدينية»، تتحول الحياة إلى ظلام وتكمّ الأفواه. حتى الأعمال الفنية المتعلقة بالدين تُمنع». وحذّر من قمع الحريات قائلاً إن «النموذج الأفغاني أمامنا». وأمس، توج الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الحملة على آقصو بالتهديد بقطع الألسن. اذ صرح بعد الخروج من صلاة الجمعة: «لن نسمح للألسن بالتطاول على سيدنا آدم ووالدتنا حواء. قطع هذه الألسن هي مهمتنا وعلى هؤلاء ان يلزموا حدهم».
في سياق غير منفصل، أثارت حادثة المطربة الشهيرة بولنت إرصوي (69 عاماً) وزيارتها ضريح أتاتورك في أنقرة ضجةً غريبة. فالفنانة أبلغت وزارة الثقافة مسبقاً عن الزيارة. وفيما كانت تهمّ بدخول الضريح على كرسي نقّال لصعوبات في المشي، تساقط المطر. فسارع رئيس حرس الضريح العقيد حاقان عثمان سرت، الذي كان في استقبالها، إلى فتح مظلته لها. وما إن انتشرت صورة العقيد مع بولنت حتى ضجّت بعض المواقع بالخبر. وما لبثت قيادة أركان الجيش أن فصلت العقيد من منصبه وعيّنته عقاباً له في منطقة حاقاري على الحدود العراقية الإيرانية.
تذرّعت قيادة الأركان أنّ سرت خالف التقاليد العسكرية. لكن البيان لم يقنع كثيرين، حتى أولئك المؤيدين لـ «حزب العدالة والتنمية». الصحافية المعروفة نيغيهان ألتشي القريبة من السلطة كتبت في صحيفة «خبر تورك» أنّ سبب الحملة هو أنّ إرصوي دعت قبل أكثر من عشر سنوات إلى إيجاد حلّ للمشكلة الكردية تحت شعار: «أريد حلاً لا موتاً»، وأن التيار القومي المتشدد انتظر الفرصة لينتقم من موقف إرصوي الذي اعتبروه مسيئاً للجيش الذي يرسل الجنود ليموتوا في مواجهة الأكراد. كما رجّحت ألتشي أن يكون تحوّل إرصوي في 1981 من رجل إلى امرأة سبباً للحملة عليها، فـ«الظروف المتّصلة بعملية التحول الجنسي لا تزال غير مقبولة في مجتمعنا».