في مصالحة بين مثاليةٍ كانت تبدو مهجورة، وواقعيةٍ ثقافية ينخرها التآكل بمعانيه، وجدتُني ذات يوم على موعد مع من كانت بيده مفاتيح المصالحة تلك: عالِم الأدباء، وأديب العلماء، الشيخ فضل مخدّر رحمة الله عليه. عرفته بصفة رئيس «الملتقى الثقافي اللبناني»، ونائب رئيس «اتحاد الكتّاب اللبنانيين» على أن الصفة التي علَّقَتْها أياديه البيضاءُ على صدري وصدر غيري من ضيوف السدة الثقافية في لبنان، هي الانفتاح على البُعد الإنساني الذي لَمَّ إليه أسماءً جاءت إليه من أوطانها - كما هو حالي - ببعض غربتها. ومن تلك الصفة التي لا تزال على صدري ولا توشك أن تؤول مآل الأعلام المهزومة، الاحتفاءُ بالفعل الثقافي والإيمانُ بقدرة الحرف على التغيير، حيث يعني التغييرُ لَمَّ الأشتات، وتقريبَ المسافات، وإيجادَ البدائل عن ميكانيزمات التدمير المبرمج التي تتربص براهن الأمة الإسلامية ومستقبلها. وبين هذا وذاك، الأصيلُ لا الإضافيُّ من لطفِ المأخذ، وسعةِ الصدر، وبَيِّناتِ الملكة الإبداعية ومتوالياتِها، والثباتِ في وجه العوائد من الأحداث ومخلَّفاتها.هكذا عرفت الشيخ فضل الذي يعز عليَّ أن أذكره بضمير الغائب، ولن أفعل، وهكذا أحب أن ألقاه ونحن على مشارف الخلود نَتَنَسَّمُ فضل الله علينا وعلى الناس، وفي انتظار ذلك أُغَنِّي بلسان حاله:

كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بين الحَجون إلى الصَّفا أَنـيسٌ ولم يَـــسْمُرْ بـــــــمكةَ سامرُ
بـــلى نحن كــــنَّا أهلَها فـــأبادنـــــا صُروفُ الليالي والجُدودُ العـــواثرُ

إلى عفو الله وواسع رحمته ورضوانه، يا شيخ فضل..

* شاعر وناقد وأكاديمي جزائري