قبل نحو شهر، اختلطت أوراق مراسلة «الميادين» ملاك خالد، عندما أضاعت جواز سفرها في العراق وتغيّرت وجهتها في تغطية الانتخابات البرلمانية العراقية، من مدينة «السليمانية» (كردستان)، لترسو في كربلاء. تزامنت هذه الرحلة مع تدفّق مئات آلاف الزوار من أنحاء العالم الى مرقدَي الإمامين الحسين والعباس، في ذكرى أربعينية الحسين. وفي ساعات قليلة، انقلبت التغطية الإخبارية اليومية، هناك، إلى توثيق لفيلم قصير، اختصر المشهد البشري المقرون بأجواء عالية الروحانية. هكذا، خرجت فكرة فيلم «عند سيدنا الحسين» (إعداد وتقديم: ملاك خالد-تصوير: علي جواد)، ودارت الكاميرا التي راحت تلتقط تقاليد وطقوساً تعود إلى عشرات السنين، استقطبت جميع الجنسيات والمذاهب، والألوان واللغات. «عند سيدنا الحسين» (23 دقيقة ــــ مونتاج ربيع حيدر)، فيلم قصير، سيُعرض يوم الأحد على «الميادين» ضمن سلسلة «ميداني». شريط أُنجز بإمكانات متواضعة، بواسطة كاميرا وميكروفون، ولقطات أخرى حيّة استحصل عليها الفريق من المنظّمين هناك. بعد شريط «بيتنا ورا البحر» (2019)، الذي اختصر تجربة شخصية، تمثّلت في توثيق ما حدث لحيفا (مسقط رأس ملاك خالد) بعد إجبار عائلتها على مغادرتها، خاضت مراسلة «الميادين» تجربة أخرى أرادت عبرها ربط الأمس باليوم. ففي الشريط، تستحضر قضية فلسطين، التي كانت موجودة بقوة، أكان عبر استصراحات الزوّار المتنوّعي المشارب الذين رفضوا كل أشكال التطبيع مع الاحتلال، أو من خلال مشاركة «موكب نداء الأقصى» الفلسطيني للمرة الأولى في كربلاء. ربط تاريخي، وصفته خالد في حديث مع «الأخبار» بـ «النضال الأممي» المتمثل في الحسين وأهل بيته، ومركزية الفكر التحرري، الذي يختزله عبر التاريخ، إلى جانب نصرته للحق ومعاداته للظلم، في إسقاط واضح على ما يعيشه العالم العربي اليوم، من تطبيع مباشر مع كيان الاحتلال، ومحاولة طمس القضية الفلسطينية. في مقابل هذه المشهدية، تبرز تجربة الحسين، الذي آثر الموت مع أهل بيته، على الاستسلام للطغاة والظالمين. تختلط في الفيلم، الأجواء الروحانية العالية، مع نقل مشاهد مواكب خدمة الزوار، ومتابعة أفواج «المشّاية» حيث تسود العدالة الاجتماعية، وتحطيم لأي تمييز قد يحصل هناك، عرقياً أم طائفياً، واستصراح بعض هؤلاء، من جنسيات مختلفة، إضافة إلى مجموعة من المنظّمين، أمثال أفضل الشامي نائب الأمين العام للعتبة الحسينية، ورئيس «هيئة المواكب في العراق والعالم الإسلامي» رياض السلمان، والباحث الإسلامي الشيخ علي الخزعلي. حرص القيّمون على الفيلم، على إخراجه من طابعه الذي قد يُصنّف على أنه متصل بجماعات دينية محددة، ليشمل مشهدية إنسانية جامعة، تعبر من التاريخ نحو فلسطين. ولهذه الغاية، شكّل اختيار الموسيقى، تحدياً لخالد وفريق العمل، فاقتصر الأمر على نقل لطمية «عشق» (كلمات نور آملي)، لأحد مواكب العزاء، وبعض الموسيقى الهادئة التي تتناسب والأجواء الروحانية التي سادت في كربلاء. تُنهي خالد الفيلم، برسالة شخصية، حبّذت إيصالها إلى المشاهد، وتمثّلت في نقل ما شعرت به من منظار صحافية «يسارية علمانية»، انهمرت دموعها إزاء هذه المشاهد التي جمعت أكثر من 19 مليون زائر/ة، وفُتحت لأجلها الحدود البرية بين العراق وإيران، ضمن خطة أمنية مُحكَمة، وأيضاً، أعادت إليها قيماً اعتقدت أنّها ضاعت من عدالة اجتماعية ورفض للظلم، والتمسك بقضية فلسطين.
«عند سيدنا الحسين»
الأحد 20:00 على «الميادين»