كمنْ وَقَعَ في اليَمّْ وَقَعوا في حياتِهم. كمنْ وقعَ في اليَمّْ
فتحوا أذرعَهم وأفواهَهم وأحداقَ قلوبِهم.. وراحوا يصرخونْ.
كمن وقعَ في اليَمّ.
وفي ثانيةٍ واحدةْ
استنفدوا جميعَ أدواتِ الأمل
واستَظْهروا جميعَ الصلواتْ.
كمن وقعَ في اليمِّ ولا حاميَ لهْ:
في ثانيةٍ واحدةْ ، في ثانيةٍ عظيمةٍ واحدةْ ،
أتَمّوا صلواتِهم وغابوا
مُكَفَّنين بظلماتٍ عاليةْ ، وسماواتٍ خرساء ،
ومياهٍ أَشَدَّ سماكةً من الليلْ.
كمنْ وقعَ في يَمّْ.

.. .. .. ..
وقعوا في ما وقعوا فيه
لأنّ الحياةَ، حسبما قيلَ لهم، تحتاجُ إلى الذكاءِ والخبرةْ.
أمّا هم، إذْ لم يسبقْ لهم أنْ عاشوا حياةً أخرى،
فقد كانوا عديمي الذكاءِ والخبرةْ.
كانوا مُجرّدَ ناسٍ واقعين في الحياة..
مجرّدَ ناسْ.
*
لأنهم أبناءُ هذا الوقتِ وكلِّ وقتْ،
لأنهم أبناءُ سماءٍ وأرضْ،
لأنهم هديّةُ العدمِ إلى نفسِهْ،
لأنهم برابرةٌ في الألسِنةْ وقدّيسون في القلبْ،
لأنهم برابرةٌ في القلب وقدّيسون في الألسِنةْ،
لأنهم برابرةٌ وقدّيسونْ،
لأنهم ما هم عليهِ.. وأكثرْ،
لأنهم ما هم عليهِ.. لا أكثرْ،
كان لا بدّ أنْ يقعوا في اليمّ.
وقعوا في اليمِّ وراحوا يستغيثون.
:وقعوا لكي يستغيثوا.
أهْلُ سفينتِكْ..
أهلُ سفينتِكِ الغارقةْ.
*
فاضت أرواحُهم من أعيُنِهم وهم يُبَحْلقون إلى سرابِ اليابسةْ
منتظِرين، بين اللحظةِ والأخرى، بين الموجةِ والأخرى، بين غصّةِ قلبٍ وأخرى،
انفراجَ أساريرِ الربّ.. وظهورَ سفائنِ المنقِذينْ.
.. .. .. ..
استغاثاتُهم المحبوسةُ في القوارير
تحطّمَتْ على صخورِ الشواطئ.
ولم يبقَ ممّا كان حيّاً
سوى الزبدِ الكَتوم
وفقاعاتِ أنفاسِهم الأخيرة
تتأرجحُ طافيةً على أديمِ المياه.
وفي الأعماقِ: لا أحدَ ولا شيء.
العويلُ انطفأ.
والأسماكُ الشبعى أكْملتْ نزهتَها في سراديبِ المياه الداكنةْ
وراحت تَتَلهّى بزعانفها وأذيالِها
وتُواصِلُ المهرجانْ.
*
يا لهولِ ما رأوا!
يا لهولِ ما سوفَ يرون!
يا لهولِ ما لن يُتاحَ لهم أنْ يروهُ مرّةً ثانيةْ!
يا للهولِ العظيم!
*
كمن وقعَ في اليمّ وقعوا مِن حياتهم.
كمن وقعَ في اليمِّ ولا حاميَ لهْ.
كمنْ وقعَ في يَمّ.
*
اذكريهم!
أيتها البلادُ الظالمة ، اذكريهم وأحسِني إلى ذكراهم!
كانوا أبناءَ سمائكِ وأرضِكْ.
كانوا مَنبوذيكِ ، وأولياءَ عهدِكِ ، وأيتامَ جنّتِكْ.
كانوا إناءَكِ وجوهرَكْ.
.. .. .. ..
من حقِّكِ الآن أنْ تتذكّري وتَنوحي:
جميعُهم (مَن هَلَكَ ومن كُتِبتْ لهُ النجاة)
جميعُهم كانوا أبناءَك.
16/10/2012