(لِذكرى حسام الصبّاح)
هل كان طيراً خفيفَ الجناحين
أم غيمةً كثيرةَ المطر
هل كان نجماً سَخِّيَ الضوء
أم عابراً ألقى السلامَ ومضى.
هل كان نسمةَ صيفٍ أم جمرةَ شتاء.
محيِّرٌ هذا الحسام
كأنه لو خُيِّرَ لما جاء
فهذه الدنيا لم تكن محرزةً في عينيه.
علامَ هذا الشقاءُ البشريُّ لأجل نهايةٍ محتومةٍ؟
علامَ الحروبُ، علام الطغاة؟
علامَ خشونةُ الرغيفِ وعناءُ الوجباتِ الثلاث؟
هذا المتبتّل للفنِّ عشقَ التمثيلَ وما أخذته بهرجةُ الأضواء.
أتقنَ أدوارَه وما افتُتِنَ بمراياه
ظلّ لصيقاً بالأرضِ، بالعُشبِ، بالتراب
وظلّ عاشقاً لعطاشى كربلاء
كأنّه وجد توازنَهُ النفسيَّ والروحيَّ تحت خيمةِ عاشوراء
في النبطيةِ التي هزمَ “حيدرُها” جحافلَ الاحتلال صارَ حسامُ علامةً فارقةً من علاماتِ المدينةِ التي سَكَنَتْهُ مثلما سَكَنَها، حملَها في حلِّهِ وترحالِهِ، وبقيَ مُصِرِّاً على العودةِ إليها مهما تأخّرَ الليلُ وعمَّ الظلام.
وشاءَ الله أن يكتبَ خاتمتَهُ على الطريقِ ذاتِها التي أفنى ردحاً من عمرِهِ عليها، ذهاباً إلى آخر الحلمِ وإياباً إلى الينابيعِ الأولى، ينابيعِ الجنوبِ السخيِّ بالمياهِ والدماءِ، الكريمِ بالإبداع والمبدعين.
هذا الجنوبُ الذي صارَ يوماً كلَّ الجهاتِ، واحتضنَ القريبَ والغريبَ وفقَ قاعدةِ لا فضلَ لأحدٍ على آخرَ إلّا بالمقاومة، مقاومةِ الاحتلالِ ومقاومةِ الحرمانِ ومقاومةِ الجهلِ والتطرفِ والظلمِ والجورِ والفساد…
حسام،
أيها الحبيبُ والقريبُ والغريبُ في آن.
في هذه الدنيا كلُّنا غرباء، والمبدعُ الفنانُ أكثرُ غربةً من سواه، و«الناسُ نيامٌ إذا ماتوا انتبهوا». فأمضِ سعيداً إلى انتباهتِكِ، ولا تحزنْ كثيراً علينا، نحن الذين لم تَحِنْ ساعتُنا بعد.
فقط أطلبْ لنا الرحمةَ والخلاصَ من هذا الجحيمِ الأرضيِّ المستعرّ.
… وإلى اللقاء.