كان | في جديده «خرائط نحو النجوم» الذي عُدّ العرض الأبرز أمس في سباق السعفة الذهبية ضمن فعاليات الدورة 67 من «مهرجان كان السينمائي الدولي»، أشهر المعلم الكندي ديفيد كروننبرغ مشرط النقد لاسقاط القناع عن الوجه القبيح لمصنع الأحلام الهوليوودي. ضمن قالب من السخرية اللاذعة والفكاهة السوداء، يسلط الضوء على الشطط الذي يطبع حياة النجوم الأميركيين، والخواء الروحي الذي يتخبطون فيه، رغم أضواء الشهرة والثراء الفاحش.
يروي «خرائط نحو النجوم» قصة مقتسبة من حادثة واقعية تتعلق بعائلة «فايس»، إحدى أكثر العائلات نفوذاً في الوسط الفني الهوليوودي. «سانفورد» الأب مؤلف شهير ومستشار نفسي لعدد بارز من النجوم، وزوجته «أغاتا» منتجة سينمائية يدفع بها الولع بالنجومية والربح السريع الى الزج بابنها «بانجي» في مجال التمثيل. يصبح هذا الطفل نجماً يتقاضى ٧٨٠ مليون دولار عن الفيلم الواحد. ما يعرّضه وهو في الـ 13 من عمره، لشتى أنواع الشطط، من إدمان الكحول والمخدرات الى مختلف أنواع العنف والانحرافات النفسية. انحرافات تودي به إلى قتل طفل/ ممثل آخر يخشى أن يسرق النجومية منه.
المعاملة القاسية التي يتعرض لها «بانجي» من قبل والديه تدفعه هو وشقيقته «كريستينا» الى نوبات غضب جنوني، حيث يقومان بإحراق بيت العائلة واغتيال والدتهما انتقاماً. ثم ينتحران معاً في المشهد الختامي فوق أطلال البيت المحترق، وهما يرددان قصيدة «الحرية» الشهيرة للشاعر اليساري الفرنسي بول إيلوار (على دفاتري المدرسية/ على طاولتي وعلى الأشجار/ على الرمال والثلوج/ اكتب اسمك/ وبقدرة كلمة واحدة/ استعيد حياتي/ فقد ولدتُ لأعرفك/ ولأسمّيك أيتها الحرية).
هذه النبرة اليسارية الرافضة للدور الذي تلعبه هوليوود في تسليع العالم وإفساد الذوق العام، من أجل بسط سلطة المال وإرساء جبروت الليبرالية المتوحشة، شكّلت مفاجأة كبيرة. وازداد وقع هذه الشهادة أنّها صدرت عن سينمائي خرج من معطف أفلام العنف الهوليوودية، ولو أنّه اختار لاحقاً مسلكاً أكثر شخصيةً وتميزاً، بدءاً من رائعته crash التي أثارت جدلاً حاداً على الكروازيت عام ١٩٩٦، وخطفت جائزة لجنة التحكيم رغم زوابع الانتقاد التي قوبلت بها. وقد سبق لكروننبرغ أن تصدّى لمخاطر العولمة الزاحفة في فيلميه الأخيرين «طريقة خطرة» (٢٠١١) و»كوسموبوليس» (٢٠١٢). وها هو يستكمل هذه الثلاثية بفيلمه «خرائط نحو النجوم» الذي عدّه النقاد من أفضل ما قدّمه منذ crash، مرجّحين أن يكون نصيب الفيلم من جوائز هذه السنة أوفر من سابقيه اللذين عادا من الكروازيت بخفي حنين، رغم الحفاوة النقدية التي حظيا بها.
والملفت أنّ هذا المنحى اليساري يشكّل التيمة المركزية في أفلام هذه السنة. نجدها أيضاً حاضرة بقوة في فيلم «أهلاً في نيويورك» لأبيل فيرارا، وفي فيلم «يومان وليلة» للأخوين داردين الذي سيعرض مساء اليوم الثلاثاء، فضلاً عن فيلم «جيمي هال» لكين لوتش الذي يعد الأكثر نضالية ويسارية ضمن كبار صنّاع الفن السابع حالياً.
هذه الرغبة في المرافعة دفاعاً عمن لا صوت لهم من المسحوقين والمهشمين نجدها أيضاً في «تمبكتو» لعبد الرحمن سيساكو، وحتى في «سبات شتوي» الذي يعد الأكثر ابهاراً للجمهور والنقاد في هذه الدورة. إذ خرج المعلم التركي نوري بيلج جيلان فجأة عن سينماه الحميمية، ليستعير نبرة أكثر نضالية في مشهد من أجمل مشاهد الفيلم، حيث يقول على لسان شخصية المعلم «لوفان»: «إنّ الاخلاق المحافظة ليست سوى أكذوبة ابتكرها الاقوياء لابقاء المسحوقين تحت هيمنتهم، فلنجعل قبضات أيدينا هي ضمائرنا»!