ودعّت اليونان أمس، ومعها كل أحرار العالم واحداً من أكبر الموسيقيين العالميين الذي جمع في حياته بين الإبداع الفني بأرقى أشكاله وبين الالتزام النضالي بكلّ قضايا الحق والعدالة والحرية في بلاده والعالم كلّه. رحل أمس ميكيس ثيودوراكيس الموسيقار اليوناني الذي لحّن موسيقى فيلم «زوربا» الشهير، ولحّن فيلم «زد» الذائع الصيت ، ووزّع موسيقى النشيد الوطني الفلسطيني، وكان حريصاً على ارتداء الكوفية الفلسطينية في معظم إطلالاته في بلاده والعالم. الموسيقار ميكيس ثيودوراكيس، اليساري الفكر، الشيوعي الالتزام، المقاوم ضد الفاشية والنازية، الذي انتُخب نائباً في بلاده، لكنه استقال وفضّل التفرّغ للموسيقى، وحين عُيّن وزيراً بدون حقيبة بقي يؤدي دوره الموسيقي ويهتم بقضايا الناس. وقف بصدق وعمق وتفانٍ إلى جانب الحقّ الفلسطيني، ووصف الكيان الصهيوني بـ«بذرة الشرّ في العالم» وحذّر من أن يقود شارون اليهود كما قاد هتلر الألمان، فاستحقّ «سخط» الصهاينة واتهامه بالتهمة الجاهزة «العداء للسامية».
يوم الحرب الأميركية على العراق عام 2003، ندّد الموسيقار بموقف حكومته الممالئ لجورج بوش الصغير في حربه، وهاجم الرئيس الأميركي على تلك الجريمة التي سيكون ثمنها غالياً على البشرية جمعاء. من عمره الذي بلغ الـ 96 عاماً، أمضى أكثر من 75 سنة مناضلاً، سجيناً، مطارداً، منفياً ومتعرّضاً لكل أنواع التعذيب، لكنه لم يتراجع عن قناعاته، وأدرك أنه بالفن قادر أن يخدم أفكاره وقناعاته الى أبعد الحدود.
وهكذا كان بالفعل، لذلك لم يكن رحيله حدثاً يونانياً فحسب، بل كان حدثاً عالمياً وعربياً وفلسطينياً بشكل خاص.
* رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن