«أبوجياتورا» (L’appoggiatura) هي فرقة موسيقية ثلاثية، تتّخذ من قاموس الزخرفة في التدوين الموسيقي اسماً لها وتتألّف من ثلاث آلات تشيلّو. شكل الفرقة بحدّ ذاته غير مألوف، والمقطوعات المكتوبة لهكذا تركيبة نادرة جداً في الريبرتوار. على التشيلّوهات الثلاثة ثلاث فتيات، هنّ جنى سمعان ونايري غزريان وفيرونيك وهبي، قدَّمْن مساء الخميس الفائت أمسيةً في «أونوماتوبيا» (الأشرفية) ببرنامج شيّق، لكنه غريب فعلاً. باقة من المقطوعات، أدّتها العازفات الثلاث بحرفية، شابتها بعض الهفوات التي لا يجب التشديد عليها نسبةً إلى ظروف البلد عموماً وإلى ظروف المكان حيث أقيمت الأمسية. فالمرحلة تتطلّب تشجيعاً للموسيقيين المحترمين الذين يحاولون البقاء في البلد وكسب حياتهم من هذه الأنشطة، لا نقداً صارماً لمستوى الأداء، من جهة، ومن جهة أخرى، الصالة التي استضافت الحدث كانت مبرّدة، رغم الرطوبة والحر، ما يجعل خيانة الآلة الوترية لعازفها متوقّعة، وهذا يحصل مع كبار الموسيقيين (مثلاً، أمسية يو-يو ما، في الهواء الطلق قرب البحر، ضمن «مهرجانات بيبلوس» قبل سنتَين).تولّت جنى سمعان، المشرفة على الفرقة ومُوَلِّفَة معظم الأعمال (من أشكالها الأصلية إلى ثلاثي تشيلّو)، التعريف بالمقطوعات وبمؤلفيها وبعض الجوانب التاريخية التي وضعت الجمهور في أجواء العمل قبل تقديمه، وسارت الأمسية بسلاسة من عصر الباروك حتى القرن العشرين. الغريب في البرنامج هو أنه، باستثناء عملٍ لفيفالدي، مقسوم إلى قسمَين: الأول هو الذي يمكن وصفه بأنه يتوجّه إلى العلّامة بالموسيقى الكلاسيكية ونابشي المؤلفين الذين نادراً ما نصادف أسماءهم في الديسكوغرافيا (أقلّه عند الناشرين الكبار)، أو حتى في كتب تاريخ الموسيقى إلّا تلك المخصّصة لحقبة محدّدة في بلدٍ محدّد. إنها أسماء قد يمضي المرء العمر في البحث والسمع من دون أن يتوقّف كثيراً عندها، أمثال الفرنسي ميشال كوريت والإيطاليّين جياكوبي تشيرفيتّو وجيوزيبي فالنتيني وجيوفاني بلاتي (وهو أشهرهم، نسبياً طبعاً!) وغيرهم. هؤلاء كلهم من عصر الباروك أو من المعاصرين للحقبة التالية (الكلاسيكية) الذين انتموا أسلوباً إلى الحقبة السابقة، أي أنهم كانوا من المحافظين (وهذا الخيار غالباً ما يسبب تهميشاً للمؤلف خلال حياته ولاحقاً). اسمٌ آخر يضاف إلى هذه اللائحة في الأمسية، من المرحلة الأخيرة للحقبة الرومنطيقية (نهاية القرن التاسع عشر)، الألماني ألفرِد بستر، علماً أن العمل الذي سمعناه (ثلاث قطع قصيرة) — وهو بالمناسبة جميل جداً ومكتوب أصلاً لثلاثة تشيلّوهات — ينتمي إلى نَفَس التأليف الذي كان رائجاً قبل مئة عام! نبش هذا النوع من المؤلفين غالباً ما تأتي نتيجته مُملّة، ولا تتعدى الفضول المعرفي، وتوليف أعمال هؤلاء لتركيبة من هذا النوع لا يزيدها إلا مللاً… لكنّ الباقة التي سمعناها لم تكن كذلك، لا نواةً ولا توليفاً.
هذا القسم الأول. أما القسم الثاني فهو عكس الأول تماماً، باستثناء سهولة النَّفَس العام (بمعنى تقبّل الجمهور له)، وقد حوى باقة من الأعمال الموجّهة إلى «المبتدئين» في السمع الموسيقي! سمعنا مجموعة من المقتطفات الأوبرالية الفائقة الشهرة لموزار وهاندل وفيردي، في توليفٍ لثلاثة تشيلّوهات طبعاً، على رأسها وعلى رأس الأمسية لناحية الجمال النقي، السهل والمركّب في آنٍ، آريا Voi Che Sapete من أوبرا «عرس فيغارو» لموزار. هذا الجانب الكلاسيكي الشعبي من هذا القسم. أما الجانب الآخر فأتى لاتينياً وقمّةً في الشهرة، وتألّف من تحفة الأرجنتيني أستور بياتزولا، «ليبرتانغو»، نشيد الحرية الذي يُدرَج على برامج الفرق في العالم، مهما كان اهتمامها وتركيبتها، وهنا سمعناه في أمسية كلاسيكية وبتركيبة ثلاثية لآلة التشيلّو. وما أشهر من «ليبرتانغو» في ريبرتوار التانغو إلّا… «لا كومبارسيتا»، التي ختم بها الثلاثي الأمسية قبل أن يعيد عزف «ليبرتانغو» بطلب من جمهورٍ استمتع بالسهرة من دون شكّ، على اختلاف علاقته بالموسيقى، وهذا يبيّن ذكاءً في تركيب البرنامج… لكنه يبقى غريباً!