لَكأنّ رأسي جُعِلَ مقلوباً! أَتَطلّعُ إلى الأمام (إلى ما كانَ أماماً) بعينين مقلوبتين، وأُردِّدُ على نحوِ ما فعلَ «مارسيل بروست» في إلياذةِ زمنهِ المفقود: المستقبلُ الذي نسعى إليه هو ذاكَ الذي صار خلفنا... ذاك الذي ياما شكونا من ضراوتِهِ وقبحه.. ذاكَ الذي لم...
لكأنّهُ جُعِلَ مقلوباً! وقَـدَماي (تلكما اللّتان جُعِلَتا لتَمشِيا قُدُماً) لم يعد لهما مِن غايةٍ غير أنْ تَـتَـقَـفّيا غبارَ ما مضى، وتَسعيا إلى ما لم يَعد لهُ وجودُ إلاّ في كهوفِ الذاكرة؛ وقلبي أشبه بحمامةٍ ضريرةٍ مُقتَلَعةِ الريش.. تحتضرُ على حافّةِ نعشها في حضيضِ سماواتِ الربّ.
ذاكَ ما أفعلُه. ذاك كلُّ ما بقي لديّ ممّا يُستطاعُ فعلُه:
أَتقدّمُ ناحيةَ الماضي، مُطلِقاً ماعزَ ذاكرتي وكلابَها في سهوبِهِ، وأحلمُ أنهُ لا يزالُ بمستطاعِ شيخٍ عتيقٍ مثلي استعادةُ مفاتنِ صيدِهِ ورَعيِهِ الغابرَين (لكأنهُ لا يزال!...).
..
: كلُّ ما يُستطاعُ؟...
: كلُّـهُ، وما أثمنَه!