القاهرة | شيّع المثقفون المصريون أمس كاتب القصة المصري سعيد الكفراوي (1939 ـــ 2020) الذي غيبه الموت أول من أمس بعد رحلة مع المرض. وقد حالت إجراءات التباعد بسبب كوفيد 19 دون تدفّق أعداد كبيرة من المثقفين للمشاركة في الجنازة والعزاء الذي سيُقام في منزل الراحل. يعدّ الكفراوي أحد كبار الحكائين في الأدب العربي المعاصر، وظل مخلصاً لفن القصة القصيرة وحدها، فأنجز خمس عشرة مجموعة قصصية، ورواية لم تكتمل أو تُنشر بدافع البقاء كآخر حصن للقصة.وكما ظلّ مخلصاً لفنّ القصة وحدها، أخلص أيضاً للقرية المصرية بحكاياتها وأساطيرها التي لا تنتهي، رغم أنه غادر القرية، في أوائل السبعينيات إلى المدينة الكبيرة القاهرة، إلّا أن تفاصيل القرية وحكايات العجائز، والريفيين البسطاء كانت المصدر الرئيسي لمنابع الإبداع لدى الكفراوي الذي تميزت كتاباته بقدرته على توليد الحكايات من مواقف بسيطة، تبدو لكثيرين غير مدهشة. لكن الكفراوي كان يحيلها إلى حكايات ذات أبعاد متعددة، ومدهشة، مع لغة تتميز بالسخرية الحادّة التي تناسب شخصية الكفراوي نفسه القادرة على انتزاع البسمات فيما يحكيها. كما يحضر الموت كسمة رئيسية تميّز كتابات الكفراوي بطقوسه في الريف، وتفاصيله. ولكن رغم ذلك هو موت يحمل في طياته الأعمق حنيناً إلى الحياة، ورغبة في المواجهة.
ولد الكفراوي عام 1939 في المحلة (شمال القاهرة)، وبدأ حياته الأدبية في «قصر ثقافة المحلة» عام 1964 ضمن جماعة الأدب التي كانت تضمّ: نصر حامد أبو زيد، وجابر عصفور، ومحمد المنسي قنديل، ومحمد فريد أبو سعدة، وجار النبي الحلو ومحمد صالح، وهي المجموعة التي تركت جميعها المدينة الصناعية الصغيرة إلى القاهرة على فترات زمنية متقاربة، وشكّلت ما سُمي في ما بعد «شلة المحلة».
وقد نشر صاحب «يا قلب مين يشتريك» أول قصصه «الموت في البداري» في تموز (يوليو) 1970 في مجلة «المجلة» التي كان يترأس تحريرها الكاتب الراحل يحيي حقي، وقد أصر حقي على أن يلتقي ذلك الأديب الشاب ليقرأ عليه قصته، قبل أن يخبره بأنه سوف ينشرها. خرج الكفراوي سعيداً من تجربة النشر في مجلة شهيرة، صَنّف نفسه في مصاف الأدباء الكبار. بعد هذه الواقعة بأيام، التقى في «ميدان العتبة» شاباً كان قد قرأ إحدى قصصه المنشورة. اقترب الكفراوي منه وسأله: «هل أنت جمال الغيطاني؟». أجاب الشاب: «نعم». سأله الكفراوي: «همّا الأدباء الشبان بيقعدوا فين». قال الغيطاني: «في مقهى ريش». وحدّد له ميعاداً يمرّ عليه ليصطحبه إلى المقهى. هناك، تعمّقت علاقة الكفراوي مع «الأستاذ» كما يسميه: «كانت ندوة نجيب محفوظ الأسبوعية جامعة، أقيمت فيها مناقشات من أندر المناقشات وأعمقها في تاريخ مصر المعاصر» كما وصفها الكفراوي في حوار سابق معه، معتبراً أن «محفوظ هو أصدق المؤرخين في التقاط روح مصر. اعتدنا أن نعطيه كتاباتنا حين يأتي إلى المقهى. وكان يأخذ القصص مطوية ويضعها في جيبه. ويوم الجمعة التالي، يكون قد قرأ القصص وكوّن رأياً فيها».
وفي منتصف السبعينيات، بدأت تغريبة المثقّفين المصريين في المنافي. تلقّى الكفراوي عرضاً للعمل في السعودية. تردّد في البدء، ثم سرعان ما حسم أمره بالقبول. وحين عاد إلى القاهرة بعد خمس سنوات، «كانت الأماكن قد تغيّرت، والأصدقاء والزمان». عاد إلى مدينة لا يعرفها. لم تتوقّف كتابات الكفراوي بعد عودته، لكنها اتّسعت لتشمل تجارب أخرى كثيرة، وتقنيات أفادت من رواية أميركا اللاتينية، وتيار الواقعية السحرية. تغيّر كل شيء في المدينة من حوله، ولكن بقيت نظرة الطفل الصغير التي ينظر بها إلى العالم، ويكتب بها... وداعاً أيها الطفل الكبير!

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا