هذه السنة، عيد الموسيقى (21 حزيران) مختلف عن السنوات السابقة، بطبيعة حال الوضع غير الطبيعي الذي يعيشه لبنان والعالم. بعض الدول ألغت الاحتفال، وبعضها الآخر نظّمه بما يتناسب مع التدابير الصحية.في لبنان، العيد «عالبلكون». لا مشكلة. المشكلة في الجهة التي حدّدت أننا، أوّلاً، سنحتفل، وثانياً، كيف. الدولة؟ لا. وزارة الثقافة؟ لا. وزارة الصحة أو الداخلية؟ لا، لا… إحدى هذه الوزارات بالتعاون مع جهة خاصة؟ أيضاً لا. نحن، كشعوب عالم ثالث، وكمستعمرة فرنسية سابقاً وكمستعمرة متعددة الجنسيات حالياً، وكبلد لا يمون على «كذا»، لا دخل لنا بما يحدث عندنا. لا نُستشار حتى. ومن يديرنا، في هذا الشأن المسمى «عيد الموسيقى» ليس حتى دولة أو سفارة. أقل من ذلك. إنه «المعهد الفرنسي» (المركز الثقافي الفرنسي). لا مانع طبعاً في ذلك، فهو أساساً يفعل ذلك منذ سنوات، لكن المشكلة في أنه يحدد المعايير، وبدون أي رعاية أو توجيه أو تعاون مع أي جهة رسمية في هذه الظروف الاستثنائية. لقد قرّر لنا «المعهد» أن نعيّد هذه السنة، وكيف، وفي أي ساعة، وأين. وحدّد لنا أنّ الاحتفال يكون في العزف والرقص والغناء. لم يذكر شيئاً عن بث الموسيقى. فيروز مثلاً. باخ. كلود بارزوتي يا أخي. أي شيء. من يجرؤ؟ قد يكون ذلك ممنوعاً طالما لم يُذكَر بوضوح!
قد يظن البعض، البعض الفرنكوفوني الذي لا يحبّذ انتقاد أمه الحنون، أنّنا نتحامل على «المعهد الفرنسي» في الوقت الذي يحرص فيه الأخير على صحة مجتمعنا. ممكن. ولكن الدليل على هذه الوقاحة في التعامل معنا هو في إلقاء نظرة على ما قررت فرنسا، شخصياً، في هذا السياق. بمعنى آخر، كيف سيكون عيد الموسيقى في فرنسا هذه السنة؟ أولاً، تنظم وزارة الثقافة الفرنسية الحدث بالتعاون مع وزارة الصحة والجهات المختصة والسلطات المحلية والبلديات، والجهات التي من المحتمل أن تستضيف فرقاً موسيقية، في الهواء الطلق أو في أماكن مغلقة. لا ضرورة للدخول في التفاصيل، لكن كل ما يهمّنا قوله إنّ العيد في فرنسا قائم، وليس على الشرفات، علماً بأنّ الوضع الصحي هناك أسوأ من لبنان (نسبياً، يجب أن يسجل لبنان حوالى 15 ألف إصابة لكي يصبح بوضع مشابه لفرنسا اليوم). ويهمّنا أيضاً أن تتخيّلوا ما الذي قد يحدث لو نظّم «المعهد اللبناني» (لو افترضنا وجوده) عيد الموسيقى في فرنسا؟! قد تُغِير الميراج على بعبدا… وهذا من حقّها!
أضعف الإيمان أن نحرّض على الاحتفال بعيد الموسيقى بالشكل والمكان الذي ترونه مناسباً، وضمن المعايير الصحية التي باتت معروفة، طالما أنّ الدولة غائبة كلياً. خطر ببالنا، في هذه اللحظة، وزير الثقافة اللبناني، فاضطررنا إلى الاستعانة بغوغل لمعرفة اسمه، حتى بعد البحث لم يبدُ مألوفاً، وتسألون لماذا تفَرعَن فرعون؟!