تقام في لبنان، حالياً، الدورة الخامسة من «أسبوع الأورغ» (الأخبار 28/1/2017) الذي تنظمه جامعة «سيدة اللويزة» منذ العام 2016. النشاط الموسيقي الكلاسيكي الغربي المتخصص في مجال محدد، أي إمبراطور الآلات الموسيقية، الأورغ (أو الأرغن) الكنسي والريبرتوار الخاص به، يشهد هذه السنة حدثاً استثنائياً في منطقة عجلتون (كسروان ــ جبل لبنان) التي تقْدِم على خطوة عملاقة في هذا المجال من خلال حيازة آلة تاريخية، وُضعت في «كنيسة مار زخيا» في وسط البلدة، وسيتمّ تدشينها مساء اليوم في احتفال خاص تتخلله، طبعاً، أمسية عزف لمجموعة من مقطوعات يؤديها النمساوي المخضرم مارتين هازلبوك (1954). ما هي هذه الآلة؟ كيف وصلت إلى عجلتون؟ وما أهمية الخطوة عموماً؟في البداية، تجب الإشارة إلى أنّ ثمة مركزاً ثقافياً محترماً ونشيطاً وغير تقليدي وغير مألوف في كسروان (أو خارج نطاق بيروت عموماً)، تابعاً لبلدية عجلتون، تأسّس في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 بدعم من السفارتَين الإيطالية والبولونية في لبنان ومن البلدية التي قدّمت المكان الذي يضم مكتبة عامة وقاعة محاضرات. هذا النموذج، شبه الفريد من نوعه في القرى اللبنانية، يجب تعميمه لكسر الاحتكار البيروتي للنشاط الثقافي، والأهم، لصدّ هجمة الأغنية الاستهلاكية العربية الهابطة التي تجتاح مجتمعات وأجيال الأطراف، التي لا تتمتع بأي خيار يؤمّن بديلاً راقياً عمّا يبثّ على مسامعها في الاحتفالات العائلية ومهرجانات القرى الترفيهية الصيفية ذات البرمجة الكارثية. منذ افتتاحه، نظّم المركز مجموعة كبيرة من الأنشطة الموسيقية، بين الكلاسيك الغربي وتحديداً موسيقى الحُجرَة بشكل أساسي (من بينها مجموعة أمسيات خاصة بآلة الهاربسيكورد) والجاز (الفرق الصغيرة، الأوروبية عموماً) والتجارب المحلية الجدية التي تحترم الحد الأدنى من الصناعة الموسيقية، إضافة إلى المحاضرات في التاريخ والتراث والبيئة ونشاط دَوري بعنوان «مطارح وذكريات»، لتعريف الناس بمعالم تاريخية مهجورة في البلدة بهدف بناء وعيٍّ تجاه حفظها وحمايتها، وغيرها من المشاريع التي تصبّ كلّها في خانة واحدة وتنطلق من همّ واحد: الجهل عدو الإنسان الأوّل وما ترونه على شاشات التلفزة المحلية لا يؤمِّن للمجتمع المعرفة الشاملة التي هو بحاجة إليها لكي يرتقي بأخلاقه وذائقته العامة وحتى وعيه المدني والسياسي. وبالعودة إلى موضوعنا الأساسي، فإنّ مجرّد وجود آلة أورغ كنسي، من شأنه خلق بُعد جديد عند الناس، لما لهذه التحفة من رهبة وحضور وقيمة عالية في صناعتها وصوتها المهيب. الطبلة جيدة، وأقل منها الطبل. لكن لا هي ولا هو يختصر «كل» الموسيقى عند البشر، كما يعتقد ــ ولا ذنب له في ذلك ــ جيلٌ كامل ممن لا يسمح لهم محيطهم بالاطلاع على أي بديل مختلف. بالعودة إلى الحدث المحوري الذي تشهده الليلة «كنيسة مار زخيا» في عجلتون، ضمن «أسبوع الأورغ» في لبنان، فقد شرح لنا مدير المركز الثقافي، إيلي صفير، أنّ الآلة مصنوعة عام 1884وكانت تتبع لكنيسة إنكليزية، وهي من صنع Mayers and Billington وقد تم شراؤها ونقلها إلى إيطاليا حيث تمّ ترميمها قبل أن تصل إلى عجلتون، لتبدأ حياةً أخرى، ستكون «غريبة» بالنسبة إليها، لا شك، لكنها ستعتاد مجتمعها الجديد، وكذلك سيفعل هو معها، والأمر ربما يحتاج إلى سنوات من العِشرَة. في العموم، الأورغ الكنسي «يُبنى» في الكنائس والكاتدرائيات، لكن يمكن إيجاده في بعض صالات الموسيقى في العالم. شهد عصره الذهبي في عصر الباروك (القرن السابع عشر ومطلع الثامن عشر)، وتحديداً على يد المعلّم الألماني باخ وغيره من المؤلفين الأوروبيين. في التدوين الموسيقي، يُكتب للأورغ ثلاثة أسطر، واحد لليد اليمنى وواحد لليسرى وثالث للأرجُل، وهو بالتالي من أصعب الآلات على الإطلاق. بعد عصر الباروك، أهمله قليلاً مؤلفو العصر الكلاسيكي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، قبل أن يعود ليجذب مؤلّفي العصر الرومنطيقي في القرن التاسع عشر (مندلسون، ليسْت، برامز…)، وكذلك بعض مؤلفي القرن العشرين (بالأخص الفرنسيَّيْن أوليفييه ميسيان وموريس دوروفليه). أحد أهم الأورغات في العالم موجود في كاتدرائية نوتردام في باريس، وقد نجا بأعجوبة من الحريق العام الماضي، لكنه الآن قيد الفحص الدقيق والترميم. في لبنان، هناك نماذج عديدة منه، بأحجام مختلفة، أبرزها في قاعة «أسمبلي» في «الجامعة الأميركية في بيروت». الليلة، عجلتون تنضم إلى نادي المدن والقرى التي يزيّنها الأورغ الكنسي، وسيتم تدشينه وفق الأصول في احتفال خاص، تتخلله كلمات، يبقى أهمها تلك التي ستنطق بها الآلة عندما يضع عليها مارتين هازلبوك أنامله ليعزف ريبرتواره المؤلّف من أعمال لباخ ولابنه كارل فيليب إيمانويل وفرانز لِيسْت، إضافة إلى ارتجالات على ألحان لبنانية سيقدّمها العازف النمساوي.

* تدشين الأورغ الكنسي ضمن «أسبوع الأورغ» في لبنان: اليوم ــ الساعة الثامنة مساءً ــ «كنيسة مار زخيا» (عجلتون ــ الساحة/ قضاء كسروان). الدعوة عامة.