مرةً واحدة، في «كوريدور» مستشفى، وللحظةٍ صغيرةٍ خاطفة (لحظةٍ عظيمةٍ غيرِ قابلةٍ للنسيان) رأيتُ وجهَ ميّتٍ وقَدَميه. اليومَ، في صورةٍ تَسَـرَّبَـتْ إليّ عبرَ دهاليزِ البريدِ الأزرق, أبصرتُ الموت/ أبصرتُهُ في صورةْ.../ صورةِ طفلٍ شاميٍّ ذبيح، اختَـطَـفَـتْهُ قذيفةٌ «غيرُ طائشةْ» مِن أحضانِ أبيهِ وأمِّـه.
أبصرتُهُ وظللتُ أُبصِرُهُ، مُتَـجَـمِّـداً أمامَـهُ لدقائقَ عظيماتٍ ومَديدات (كانَ مُكَـفَّـناً بثيابِ عيدِهِ ــ ثيابِ السعادةِ والورد ــ كما لو أنهُ لم يَصِرْ مَـيْـتاً بعد).../ أبصرتُهُ، وَ سأظلُّ أُبصِره.
اليومَ رأيتُ صورةَ الموت.
اليومَ، في صورةِ طفلٍ ذبيحٍ، رأيتُ الموت. رأيتُهُ وذُقـتُـه.
هذا «الموتُ» الذي على هيئةِ طفل/ الذي على هيئةِ «ما كانَ» طفلاً - طفلاً إنساناً/ هذا الموتُ «الطفلُ» أوقَـعَـني في حيرةِ إنسانٍ واقِعٍ في الموت:
هذا الذي يُشبهُ مَن كانَ أو «ما كانَ» طفلاً، ما الذي يَنقصُه؟...
هذا «الشَّبيهُ» الذي ما عادَ شبيهاً بأحدٍ، حتى بنفسِهِ، ما الذي يَنقُصُه؟...
قَطعاً، ليسَ العينان. ليس الفمُ، ولا الأنفُ، ولا عظامُ الجبهةِ والوجنَـتَـين. وإنْ كانَ حديثَ عهدٍ بالموتِ، فَـ: ولا الحرارةُ واللون أيضاً.
فإذنْ، ما الذي يَنقصُه ليكونَ هو «هوَ»؟
ومِنْ أينَ جاء «هذا الذي» ليس شبيهاً بِـ «ذاكَ الذي»؟.. وما الذي يَنقصُه؟
أمعنتُ النظرَ طويلاً، وأمعنتُ الصمتَ طويلاً.
يَنقصُـهُ... ينقصهُ... ينقصه...
يَنقصُـهُ الصغيرُ، الـهَـيِّـنُ، البسيطُ، العَديمُ، الـ «لاشيءُ»، المستحيلُ المستحيلْ...:
ينقصُهُ أن يَكونَ فارغاً مِنَ الموت، وَ مليئاً بحياتِه.
تنقصهُ «نفسُـهُ...» لا أكثر.
27/1/2018