بالتأكيدِ كان خائفاً. خائفاً بمقدارِ ما سمحتْ لهُ شجاعتُهُ بإظهارِ خوفِه.
لنَقُلْ: خائفاً في السرّ...
برُكبتَين على الأرض، وذراعين مُقَـيَّدتين وراءَ الظهر، ورأسٍ مُدَلّى لن يلبثَ أنْ يرتفِعَ بِوَخزةٍ صغيرةٍ مُباغِتة تُسَهِّلُ على الجلاّدِ إتقانَ ضربتِه.
الوخزةُ حصلتْ، ثمّ الضربةُ، ثمّ نافورةٌ مِن الدمِ شهقَتْ ناحيةَ السماء... وانتهى الخوفُ.
انتهى خوفُ الخائفِ إلى الأبد.
..
الجلّادُ، فيما هو يُنَكِّسُ سيفَهُ ويَزفُرُ عناءَ ذراعِهِ وقلبِه،
حالَما أبصرَ الدمِ، أخافَتهُ رؤيةُ الدمِ صاعِداً مِن أوعيةِ العنقِ المقطوع.
أخافتهُ نافورةُ الدمِ.
أخافَهُ أنّ ذاكَ الذي صيَّرهُ ميّتاً
لن يعود قادراً، بعدَ موتِهِ، على منحِهِ المغفرةَ وبراءةَ القلبِ.
أخافهُ أنّ خوفَ ذبيحتِهِ قد انتهى إلى الأبد.
وأخافَهُ أكثرَ : التفكيرُ في أنهُ هو مَن سيبقى حيّاً ، و«هو» مَن سيظلّ يَتَذَكّر.
سيبقى حيّاً...
حيّاً بسيفٍ دامٍ وذاكرةٍ مذعورةْ،
حيّاً وخائفاً،
خائفاً وخائفاً إلى الأبد.
وإلى الأبد سيظلُّ خائفاً، وَ سيظلُّ يَتذكّر...
يَتذكّرُ، بلا رحمة، رأساً تدحرجَ على الأرض
ونافورةَ دمٍ
سيظلُّ عويلُها يُدَوّي في دهاليزِ ذاكرتِهِ إلى الأبد.
8/7/2018