بعد إنشائها عام 2013 من قبل مجموعة من الشابات والشباب الفلسطينيين في لبنان، افتتحت مبادرة «سوا للتغيير» مقهى وملتقى «سوا» في مخيّم نهر البارد (شمال لبنان). تخلّلت الافتتاح كلمة أوضحت أهداف المبادرة التنمويّة ومقطوعات غنائية وعزفيّة وعرض فيديو يظهر الأعمال التي قام بها الشباب لإصلاح المكان وتجهيزه بتمويلٍ أساسيّ من «مؤسّسة بورسيو» لدعم المبادرات الشبابيّة في لبنان، غطّى 75 في المئة من الكلفة، فيما استكملت الأعمال بمجهود الأعضاء الشخصي. النشاط الذي جرى مطلع الشهر الحالي، ضمّ نقاشاً مفتوحاً بين الحاضرين حول دور الشباب في تحسين حياة سكّان المخيّم، وتطوير تواصلهم مع باقي المخيّمات ومع الفلسطينيين في داخل فلسطين وخارجها، ومع الشباب في لبنان عموماً. وتركّز النقاش حول دور المبادرة الداعم والمشارك في الصراع القائم ضد كيان الاحتلال إلى حين العودة الى فلسطين، قبل أن يُختتم بجولة صغيرة داخل أزقّة المخيّم لتعريف المشاركين من خارجه على أوضاع سكّانه.رسمٌ صغيرٌ في مدخل المقهى يقول: «المسافة من نهر البارد إلى القدس 310 كلم». لا يمكن أن تكون المسافة من المخيّم إلى بيروت أبعد منها إلى القدس. لكنّ هذه المسافات والحواجز أمر واقع. ليس لـ «نهر البارد» الّذي يقع بالقرب من البحر مكاناً واضحاً في أذهان سكّان لبنان. سمع به معظم الناس عام 2007 يوم اندلعت فيه مواجهات مع الجيش اللبناني، كانت نتائجها كارثية على الصعيد الإنساني على أهل المخيّم.
في مخيّم «نهر البارد» المدمّر الذي بدأت عمليّات إعادة إعماره ولم تكتمل حتى اليوم، مبانٍ جديدة من بضع طبقاتٍ، وأزقة أعيد ترتيبها، وسوق تجارية واسعة، وطرقاتٍ تذكّر الزائر بأنّه في لبنان. على بابه حواجزٌ للجيش اللبناني تمنع دخوله لغير اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وفي داخله أناس يرحّبون بالزائرين ويتفاعلون معهم تلقائياً.
وفي المخيّم أيضاً مجموعة من الشباب المتطوّعين في مبادرة «سوا للتغيير» بعيداً عن الاصطفافات السياسية، للمساهمة في تنمية المخيّم ثقافياً واجتماعياً. بعد إنجاز العديد من الأنشطة والتشبيك منذ 2013، افتتحت المبادرة أخيراً مقهاها وملتقاها داخل المخيّم. في داخل المقهى صالتان مجهّزتان، إحداهما مكتبة قيد الإنشاء تضمّ مجموعة لا بأس بها من الكتب التي تتناول تاريخ فلسطين وقضايا متعلقة باحتلالها وبوضعها السياسي والاجتماعي وبعمليّات المقاومة فيها. وهناك صالة ثانية معدّة لعروض الأفلام تُعِد المبادرة حالياً برامج عروضها.
يقدّم «سوا» حاضنة جميلة للشباب والشابات، تسطيع لعب دور ضروري ومطلوب في تطوير أفكارهم وخلق مشاريع مبدعة لرفع المستوى المعيشي والتنموي في المخيّم، ما يُسهم في كسر صورة «السجن» التي فرضتها عليه الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى غيره من المخيّمات في لبنان. كذلك، هو مكان انطلاق الجيل الشاب الّذي لا يرى حلّاً لمعاناة تشرّده غير العودة إلى دياره محرّرة بالكامل، كما تقول جملة معلّقة على شبابيك المقهى الخارجيّة، وهي مأخوذة من شعر إبراهيم طوقان: «الشباب لن يكلَّ، همُّه أن تستقلَّ». إنّها خطوة إضافية للعمل الإيجابي لتحرير الفكر الذي يشكّل القاعدة الأساسية لتحرير الأرض وإنسانها. هذه مقاومة قائمة بنفسها، وهي من أجمل المقاومات وأرقاها لإعادة فلسطيننا وإلغاء المسافات والحواجز الوهمية بينها وبين أهلها ومحيطها الطبيعي والتاريخي... ولو بعد حين.